الاثنين، 16 فبراير 2009

بلال خبيز: الحشد الرابع - الامل له شعبه ايضاً

حشد كبير على ابواب المحكمة الدولية. في المعنى اولاً: الحشد يتكرر كل مرة، ولو وصفه السيد اميل رحمة بأنه قليل، دليلاً على مدلولات كثيرة. فلنختصر، ما يدل عليه الحشد هذه المرة، ان زمن رفيق الحريري كان زمناً ذهبياً في لبنان. على الأقل قياساً لما يجري اليوم والاوضاع التي يعيش اللبنانيون في ظلها. الناس لم تفقد ذاكرتها بعد، وتريد العودة إلى زمن رفيق الحريري.
الحشد الكبير ليس استطراداً لتقليد توتاليتاري يجمع الجماهير وينفخ فيها روح الثأر. مرة اخرى، هذه ليست جماهير مقاتلة، هذه جماهير تريد التعبير عن رغبتها في العيش بسلام. على هذا ليس مستغرباً ان تبدأ احتشادها بقراءة الفاتحة على ضريح الراحل.
اشارة اخرى: ليس كل احتشاد محمود، وليس كل ما يقوله الجمهور هو الحق بعينه. الجماهير تحتشد في الخطأ والصواب. الحشد ليس دلالة على صواب الخط او الخطة، قد يكون دلالة على ازمته. هذا يصح في كل حشد. انما وفي العودة إلى الحشد الرابع، فلا شك ان بعض ما دفع الناس إلى الاحتشاد هو شعورها بالخطر على البلد الذي تعيش فيه. كان الشيخ سعد الحريري قد قال منذ اسابيع ان الانتخابات المقبلة في لبنان هي استفتاء على توجه البلد ومستقبله. الناس لا تخفي خوفها على مستقبل البلد، وتريد الدفاع عن خياراتها. هذا ايضاً امر يبعث على التفكر ملياً، خصوصاً من جانب من بقي عاقلاً في فريق 8 آذار. لا يكفي استصغار الحشد او التحشيد المضاد ليلغي فكرة ان الناس قلقة على مستقبل البلد. فالحشد المضاد لا يجبّ الحشد الذي سبق. وحدها العودة إلى زمن رفيق الحريري السياسي تمكّن البلد من تجاوز ازماته المستعصية.
معنى العودة إلى زمن رفيق الحريري يكتمل حين نتذكر ان النائب وزعيم الكتلة النيابية رفيق الحريري وافق على التمديد للرئيس السابق اميل لحود مرغماً. وجه الإرغام يتصل بحرص حريري على حصر الخلافات في مجالها السلمي والديموقراطي، استبقاء لأوان مستطرقة بين الخصمين الداخليين وبين لبنان وخصومه الخارجيين. ضد الرفض المطلق وضد التعنت، والذهاب في المعارك حتى نهاياتها. رفيق الحريري وافق على التمديد، لكن الخصم قرر اغتياله. وباغتياله تحول الصراع من صراع تحت سقف الدولة والقانون إلى صراع مفتوح. اغتيل الحريري في 14 شباط 2005، انما وقبل اغتياله بزمن كان الخصم قد قرر تصفية خصومه جسدياً ومعنوياً. اقله منذ تعرض النائب والوزير مروان حماده لمحاولة الاغتيال التي نجا منها، كان واضحاً ان الطرف الثاني في المعادلة لم يعد يريد شريكاً. وإلى جانب عمليات الاغتيال التي حصلت كان ثمة دوماً تفجيرات متنقلة، والأرجح ان الهدف منها كان على الدوام الحؤول دون شعور المواطن اللبناني بالأمن والأمان. كان يراد من هذه التفجيرات الإثبات ان الصراع الحاد لا ينحصر في المشهد السياسي من الاعلى، بل كان يستهدف امن المواطن بما يمنعه من الاطمئنان لمستقبله.
مرة اخرى، بعد عام ونيف من اغتيال الحريري، حدثت حرب تموز، من الجهة الإسرائيلية كانت تلك الحرب تستهدف المواطن اللبناني ايضاً. تريده ان يخاف على مستقبله ومستقبل اولاده. لكنها من الجهة السورية كانت تخريباً متمادياً للنمو الاقتصادي الذي شهده لبنان في السنوات القليلة التي سبقت اغتيال الحريري.
كان من الممكن ان يخالف المرء ظنه في هذه المسألة لولا ان حزب الله وحلفاء سوريا في لبنان احتلوا وسط البلد ورابطوا فيه اكثر من عام، ورفعوا في ساحاته خياماً في محاولة واضحة لشل اعصاب البلد الاقتصادية. إذاً المستهدف في هذا المعنى لم يكن اقل من البنية الاقتصادية للبلد التي ساهم رفيق الحريري في اعادة بنائها على النحو الذي رست عليه.
اليوم يعود الناس للاحتشاد في ذكرى استشهاد رفيق الحريري، لأنهم باتوا اكثر ادراكاً ان الزمن الذي امضاه حاكماً ومعارضاً في لبنان كان زمن الصراع السلمي والمدني، من جهة اولى وكان زمن البحث الحثيث عن امان مستقبلي للبلد.
ما الذي اقترحه الخصم الداخلي في هذا المجال؟ ليس اقل من الطلب إلى اللبنانيين حماية المقاومين. المقاومون الممولون من الفهم إلى يائهم. والذين لا يجعلهم بوار التجارة وكساد الموسم السياحي يشعرون بالخوف على امنهم الاقتصادي. رغم ذلك لا يكف اهل 8 آذار عن دعوة اللبنانيين إلى حماية المقاومة. انما ايضاً لا يسأل اي منهم سؤالاً بديهياً: من اين يأكل الناس وبم يتبرعون لحماية المقاومة؟ وبكلام آخر: لا يستقيم حديث عن قوة شكيمة المقاومة وقدرتها على الحاق الخسائر بالعدو من دون ان نسأل المقاومة وقادتها عن فرص العمل الجديدة وعن حدود النمو الاقتصادي وعن شؤون التعليم والصحة والضرائب والسياحة والصناعة والتجارة. لم يعد ثمة مقاومات في العالم، ولا حتى احزاب معارضة، تعفي نفسها من سؤال الاقتصاد. انها مقاومة تفترض ان في وسعها العودة إلى تقسيم العمل الموروث من حقبة الخمسينات: يقع على الموالاة التي تحكم هم النهوض بالاقتصاد، ويقع على المعارضة التي تعارض مهمة التوزيع العادل للثروات. المقاومة لا تهتم ولا تعتني باحوال الناس الاقتصادية ولا تهتم لمستقبل البلد على هذا الصعيد. هذا امر ليس من اختصاص المقاومين ولا قادتهم، بل يقع عبئه كله على الطرف الآخر. على هذا يفهم المعنى الذي تدور عليه المناقشات حيال مجلس الجنوب والمجالس والصناديق الأخرى. ثمة من يعتقد ان مهمة الحكومة هي تأمين عيش المواطنين ودعمهم مالياً، ويعتبرون ذلك حقاً من حقوقهم، فيما لا يفترضون ان تأمين هذه المستلزمات هو امر يقع في السياسة اولاً. وان الحكومة ملزمة بهذا المعنى في تعيين التوجهات السياسية للبلد عموماً فضلاً عن التوجهات الاقتصادية والاجتماعية. وبهذا المعنى، لا تصح هذه القسمة بين شعبين، شعب ينتج ويعمل ويعوض الخسائر الناجمة عن الحروب وافتعال الأزمات، وشعب آخر يعتصم ويعترض ويشن حروباً داخلية وخارجية ويهدد بشن حروب أخرى، ويقع على عاتق الشعب الآخر ان يعيل المعوزين ويعمر ما دمر ويفك عزلة من جعلته سياساته يعيش عزلة خانقة.
الانتخابات البرلمانية المقبلة استفتاء على معنى المواطنية والانتماء إلى البلد، اي بلد وليس لبنان وحسب. وهذا مبعث اهميتها الكبرى، وهذا ايضاً ما يفسر هذا الحشد الكبير الذي كان المطلوب تيئيسه لكنه مرة رابعة اثبت ان الأمل ما زال مزهراً.
موقع المستقبل

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .