الجمعة، 27 فبراير 2009

عباس بيضون: الحرب العادية



نتائج الانتخابات الاسرائيلية فاجأت حتى الاستطلاعات التي توقعت هزيمة كاديما وتفوق ليكود، حرب غزة حركت شعبية باراك في حزب العمل وتراءى في الاستطلاعات انه الرابح الأكبر منها، لكن نتنياهو بقي متفوقاً. ليفني التي تكلمت كثيراً إبان الحرب لم تستفد منها، بحسب الاستطلاعات وبقيت شعبيتها تراوح مكانها، لم تقنع الناخبين بأنها محاربة جديرة بقدر ما أقنعهم باراك. نتائج الصناديق صدقت الاستطلاعات ولم تصدق، بالأحرى فاجأت الاستطلاعات وأحرجتها، ربحت كاديما على ليكود بصوت واحد هو نفسه الصوت الذي ربح به بيغن ذات يوم على بيريز وبدأ من حينها حكم الليكود، انه الصوت الذي قال بيغن إنه أعطاه التفوق السياسي والمعنوي، هذه المرة لم ينفع الصوت الواحد ولم يسجل تفوقاً معنوياً وسياسياً لليفني، مع ذلك فإن ربحها على نتنياهو قلب النتائج رأساً على عقب، انتظرت الاستطلاعات عبارات تحسّن لم يتحقق، خسر باراك بأكثر مما توقع له الجميع، لقد خرج حزب العمل ثانوياً وضعيفاً من الانتخابات. فازت اسرائيل بيتنا بـ15 مقعداً، عادت العصا في يد ليبرمان، انه منذ الآن صانع الرؤساء، ليس سهلاً فهم ان تربح كاديما مجدداً على ليكود ولا ان يخسر في الوقت ذاته العمل على نحو باهظ ولا أن يربح ليبرمان بقدر ما ربح. ليست هذه جريمة الاستطلاعات التي كانت حتى قبل يومين محقة، كانت مفاعيل غزة قوية عاملة طوال الوقت، لقد حركت الحرب شعبية حزب العمل، لكن اليمين المتطرف بقي متفوقاً، اهتز كاديما فعلاً وكاد أن يبوء بخسارة، لكن كما ذهب تحليل ظهر في هآرتس اصطف الناخبون تحت وطأة الاستطلاعات ورداً عليها، في اليومين الأخيرين قبل الانتخابات حصل «انزلاق انتخابي» شامل، تفوّق نتنياهو جذب إليه اليمين بما في ذلك يمين الوسط، ذهب جانب كبير من قاعدة كاديما إلى الليكود، خاف اليسار من تصاعد شعبية نتنياهو ومن قيام حكومة لليسار المتطرف ففضل قسم كبير منه أن يصدّ ذلك بالانحياز الى كاديما، إذ لم يكن حزب العمل في موقع التصدي الفعلي لغلبة اليمين، ما خسره كاديما من يمينه ربحه من يسار العمل، وربحه أيضاً للعجب، من ميرتيز، ذهب ثلث العمل تقريباً إلى كاديما، وكذلك ثلث ميريتز، خسرت ميرتيز وخسر العمل لمصلحة كاديما، لكن النتائج كانت ببساطة أن اليسار فضل الوسط والوسط فضل اليمين، لم تكذب التوقعات، لقد ربح اليمين وخسر اليسار أما الانزلاق الانتخابي فكان باتجاه يميني. هذا التفسير، إن لم يكن مقنعاً فهو الوحيد الذي يمكنه ان يحلل النتائج وان يشرح لماذا ربح كاديما وخسر في آن معاًَ ولماذا خسر الليكود وربح في آن معاً، ربح كاديما، لكن اليمين هو الذي فاز وخسر الليكود، لكن اليمين هو الذي ربح. الآن وخلافاً لرغبة الولايات المتحدة تقوم حكومة من اليمين المتطرف، لكن التعارضات في وسطه لن تكون سهلة، فبين اليمين المتطرف السياسي واليمين المتطرف الديني خلاف يصعب حله، يؤيد ليبرمان، لمصلحة المنتخب الروسي، الزواج المدني والاعتناق السهل لليهودية، أما شاس التي اعتبر حاخامها بأن من يصوت لـ«اسرائيل بيتنا»، تنظيم ليبرلمان الروسي كمن يصوت للشيطان، فهي ضد ذلك تماماً. لقد كان الانزلاق الانتخابي انزلاقاً نحو اليمين، ونتنياهو غير المحبوب من (الديموقراطيين) سيكون هو المحاور لأوباما الذي يبدو أنه أمضى الأسابيع القليلة في حكمه بإشارة واضحة الى انه سيفي بوعوده، في ثلاثة أسابيع باشر ودفعة واحدة كل القضايا الكبيرة العالقة، غوانتانامو، البيئة، الضمان الصحي، العمالة النسائية، البحث العلمي، التصحيح الاقتصادي، الشرق الأوسط. لن يكون التحالف الأميركي الإسرائيلي موضع سؤال بالطبع، لكن ليكودية الإدارة الأميركية لن تبقى كما هي. في المقابل لم يخرج أبو مازن قوياً من الحرب، لقد تكلم كثيراً وتحرك كثيراً، ولكنه لم يقم ببادرة واحدة يمكن أن تكون في مستوى الصراع، لم يعد يكفي الكلام عن حلول جعلتها إسرائيل مستحيلة. نسفت اسرائيل مقومات الدولة الفلسطينية بالكامل ولم تترك لها من الأرض والتواصل الجغرافي والسيادة، فمع 10 آلاف سجين والمستعمرات العشوائية وغير العشوائية والجدار العازل لا يمكن لعاقل الكلام عن إمكان دولة، كانت غزة تحت النار لكن ابو مازن قبل تحدي حماس، وقبل في هذا الظرف سجالاً عقيماً معها في الوقت الذي كان عليه أن يشرح للعالم ما فعلته اسرائيل بغزة، وان التهدئة كانت اسما آخر لحصار تجويعي، وان تحرير غزة كان تقريباً لتحويلها إلى معسكر تجميع، انه رئيس الشعب الفلسطيني وكان عليه في تلك اللحظة أن يكون فقط هكذا وأن يجد الخيال لبادرة ولو رمزية تجعله، بوضوح، طرفاً ملحوظاً في صراع ضحيته شعبه، لم يقطع حتى العلاقات وترك الشارع لحماس، كل هذا يعني ان الطرف الفلسطيني المقبول دولياً يخرج منهكاً، في حين يصل اليمين الإسرائيلي المتطرف الى السلطة وتسعى حماس من الطرف الآخر إلى الاستبداد بغزة، فحتى يكون المشروع المعلن هو اللامشروع، تمزيق المبادرة العربية والخروج من اوسلو والقضاء على منظمة التحرير لا تعود مسائل مثل الدولة ووحدة الشعب ملحة او هامة، البندقية على شبر واحد أو على مساحة اكبر هي الأمر نفسه، فالمهم البندقية والمهم اللاعتراف، هكذا يغدو في الواقع في حلقة رمزية مغلقة. حلقة رمزية وافتراضية بالكامل، فالحرب والنصر والدولة والسيادة والتحرير والمقاومة كل هذه تغدو ذات محمولات رمزية بدون اي واقع واضح او صلة بالواقع. اليمين المتطرف الإسرائيلي يفضل أن يبقى في مواجهة حماس او تبقى حماس في المواجهة وحماس ستبرهن سهولة أن مع اليمين الاسرائيلي المتطرف لا يمكن التفكير بأي مشروع آخر سوى المجابهة، الحرب وحدها هي الكلمة بالطبع، لكنها حرب «مشهدية». رمزية البندقية الفلسطينية في مواجهة القتل الإسرائيلي العشوائي والحرب أدنى خسائر، أنها حرب لن تتقدم خطوة، لا هنا ولا هناك، تبقى البندقية في مكانها ويستمر القتل بأقل خسائر على سجيته، هكذا تختار إسرائيل الحرب الدائمة والمستمرة بأقل مواجهة ممكنة، لكنها أيضاً تستمر في جعل الحياة الفلسطينية مستحيلة إلى حد يستدرج معه الفلسطينيون إلى الإكثار من كلمة الحرب لتكثر هي من فعلها. هكذا، مع آلاف السجناء وآلاف القتلى تقول إسرائيل إنها وحدها ضد العالم وإنها ليست البادئة وإنها تحمي نفسها، إنه فخ جهنمي بالفعل، بل هو سيريالي وغير معقول، ليس التجويع فقط ولكن الاغتيالات والسجن والقصف المنتظم هي الامور العادية اليومية، انه القتل العادي والسجن العادي والقصف العادي، وحدها البندقية الفلسطينية تغدو برمزيتها وعنوانها وخطابها الاستثناء الذي يبرر هذه المرة حرباً «عادية» طاحنة. لكن عادية بالطبع ومعقولة ومفهومة ستبقى المجازر الاسرائيلية هي القانون والدولة والأمن والنظام فيما البندقية الفلسطينية العزلاء وغالباً غير مؤذية هي العصيان والانتهاك، انه لعبة عبثية، لكنها ايضاً مناورة قذرة وحيلة عالمية وخداع مريح، الإسرائيليون يقودون اللعبة والفلسطينيون يستدرجون إليها، الفلسطينيون يدخلونها مضطرين ويتخذون فيها دوراً مقرراً من قبل، ومن قبل جرى التحضير له ورسمه وتقديمه للعالم، لقد اتخذ الإسرائيلي قراره والانتخابات الإسرائيلية شاهدة، اختار الحرب الدائمة، لكن الحرب بأقل خسائر، أخبار الحرب «العادية» وينبغي استدراج الطرف الآخر إليها، الفلسطينيون يبطشون ببعضهم بعضاً والإسرائيليون انتهوا إلى قرار، لن تكون هناك دولة ولا كيان ولا استقرار فلسطيني، لن يكون هناك أي مقومات للبقاء او لاقامة أي شيء، لن يترك للفلسطينيين ان يؤسسوا على حدود اسرائيل شيئا، على اسرائيل ان تحارب، لكن عليها ان تجد الحرب التي تناسبها. الحرب التي لا تخيف ولا تحبط، الحرب التي بلا خسائر، اختارت الحرب «العادية». الآن على الفلسطيني أن يختار.
السفير

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .