السبت، 31 يناير 2009

بلال خبيز: انواع السيوف واصناف الدم

هل انهت حرب غزة احتمال حسم الصراع العربي – الإسرائيلي بالقوة المسلحة؟ اسرائيل اكتشفت ان التضامن الدولي مع "حقها في الدفاع عن امن مواطنيها" سيف ذو حدين. كان الجيش الإسرائيلي يقاتل من دون خصم عملياً. والأرجح ان مقاومة باسلة كالتي حدثت في جنين في مواجهة جيش ارييل شارون كانت قد تقصر من عمر الحرب قليلاً وتالياً تقلل من زمن تعرض المدنيين الفلسطينيين لهذا الكم الهائل من الموت. لكن حركة "حماس" في ما يبدو لم تكن تعد العدة لهجوم اسرائيلي واسع النطاق. على الأقل هذا ما رشح عن قائدها المتوج، خالد مشعل، في مناسبتين، كانت اخرهما ما نشرته "الأهرام" المصرية من مقتطفات كلمته في الجلسة المغلقة لمهرجان الدوحة. مرة اخرى قال مشعل لو كنا نعلم. ولم يسأله احد طبعاً لماذا كان العالم كله يعلم إلا هو وقادة "حماس" ومحللو النظامين السوري والإيراني. "حماس" لم تكن مستعدة للهجوم، هذا من جهة اولى، لكنها ايضاً وعلى ما يظهر من تصريحات قادتها ورعاتها الإقليميين، كانت تخطط لإلحاق الهزيمة بالإسرائيليين بسلاح غير سلاح المقاومة. انه سلاح استفظاع الرأي العام العالمي الولوغ الإسرائيلي المتعمد والمقصود في الدم الفلسطيني. لم تكن "حماس" بحسب هذا التحليل الذي يستجدي المجازر، مضطرة للمقاومة والمقامرة تالياً بخسارة بعض مقاتليها في مواجهات ضد الجيش الغازي والمحتل، فالدم الفلسطيني الرخيص جداً جداً، ذلك انه عكس الدم الإسرائيلي او الدم السوري يقاس بالشلالات وليس بالقطرات، كفيل وحده بضبط القوة العسكرية الغاشمة ومنعها من الولوغ في الدم إلى هذا الحد. كان المتوقع والمأمول ان تستمر العملية يومان او ثلاثة، فتسقط مصر وتشرّع ابواب رفح امام رغبات "حماس"، ويضغط العالم كله على اسرائيل فتوقف هجومها من دون قيد او شرط. ومن محاسن الصدف ان السيد حسن نصرالله كان قد اعلن الإعلان نفسه في بداية حرب تموز العام 2006، حين اعلن في مؤتمره الصحافي الاول عقب العدوان ان الهجوم الإسرائيلي محدود زمناً وحجماً، رداً على المهولين والخائفين من ضخامته وقسوته.
يمكن القول ان المراهنة الحمساوية على الرأي العام العالمي كانت في محلها. انما ثمة فارق لا تحسب "حماس" حسابه، يتصل بحجم الخسارة الفلسطينية والعدد الفائض من الايام التي قضاها اهل غزة في الجحيم. لكن المراهنة على تحرك رأي عام دولي فاعل نجحت، أخيراً، في وقف الحرب. وإن كان حزب الله في لبنان يستطيع ان يدعي ان مقاومة العدو المباشرة والحاق الخسائر في صفوفه كانت سبباً مرجّحاً في قرار قيادة العدو بقبول وقف النار، إلا ان خالد مشعل لا يستطيع ان يدعي الدعوى نفسها، ذلك ان ما بات ثابتاً في هذه الحرب انها كانت حرباً من جانب واحد. لكن هذه المراهنة على الدم الفلسطيني وقدرته على وقف العدوان تبدو في الجانب الآخر منها سيفاً ذو حدين، إذ ان الرأي العام العالمي نفسه سيكون صارماً وحساساً تجاه الدم الإسرائيلي الذي قد تريقه "حماس" او اي فصيل مقاوم. مما يعني ان الحديث عن المحافظة على الحق في المقاومة بات اليوم في غير محله، ذلك ان عصمة الدم ليست فلسطينية المنشأ والمصب. فإذا كان ثمة عصمة للدم فهي عصمة لكل دم بصرف النظر عن هوية اصحابه. وعلى نحو ما اصبح الدم الفلسطيني عاصماً للآلة العسكرية الإسرائيلية من الإيغال في القتل من دون حسيب او رقيب، فإن الدم الإسرائيلي ايضاً يملك من قوة الحضور ما يمنع اي كان عن اهراقه. والحال، فلو ان صواريخ "حماس" تتطورت واصبحت اكثر فتكاً فإن مداها سيبقى كليلاً إذا كان الحكم والفيصل في اي حرب مقبلة هو الرأي العام العالمي المحتج على اهراق الدم بصرف النظر عن هوية من تهرق دماؤه.
تستطيع حركة "حماس" ان تستمر في اللعبة نفسها، اي دفع اسرائيل إلى الولوغ اكثر واكثر في الدم الفلسطيني. لكن المسألة التي لم يحسب مدعو الحق بالمقاومة حسابها في هذه المعادلة، هي بالضبط الفارق الهائل في اثمان الدم، فإذا كان الدم الفلسطيني ثمين في العالم إلى الحد الذي نجح في ايقاف العدوان بعد ثلاثة اسابيع، فيجب الا يخفى على احد ان الدم الإسرائيلي كان وما زال ثميناً إلى الحد الذي يكاد يكون ممتنعاً على اي كان. مع ذلك يحتفل قادة حركة "حماس" بانتصارهم. انتصار الدم على السيف. هذا ربما، لأنهم يحسبون ان صواريخ القسام ليست من انواع السيوف، بل من اصناف الدم.
موقع المستقبل

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .