الجمعة، 16 يناير 2009

بلال خبيز: تربية الحقد


في الوقائع: يتظاهر عدد كبير من اليهود في المدن الاميركية دعماً لإسرائيل. هل يريدنا هؤلاء ان نصدق ان صواريخ القسام تهدد اسرائيل حقاً؟ ولو صدقنا ذلك، فكيف يسع هؤلاء تجاهل واقعة ان نيران الجيش الإسرائيلي تقتل الناس في غزة؟
حقوق الإنسان؟ اي حق هذا الذي يبيح لأي كان ان يستبيح قتل شعب بدعوى ان امنه مهدد من بعض افراد هذا الشعب؟ لطالما عرفنا ان المسألة تبدا وتنتهي في المحاججات السياسية. هذا ينطبق على حركة "حماس" وينطبق على الجيش الإسرائيلي وقيادته السياسية. في اسرائيل، ثمة مناقشات حامية: هل قادنا ثالوث القيادة إلى حرب تعرض امن المدن الإسرائيلية للخطر من اجل تحقيق نسبة اعلى من الأصوات في الانتخابات المقبلة؟ المجتمع الإسرائيلي منذ بداية المعركة، منذ بداية التخطيط على ما تدعي يديعوت احرونوت، ابدى استعداده للتضحية ببعض الأرواح، لكن شرط قبول التضحية ان يقود السياسيون المعركة بوصفها معركة من اجل الوطن وليس من اجل المناصب الحكومية وصناديق الاقتراع. في الجهة المقابلة: سؤال لم يتغير منذ 1948: اين العرب؟ هل حان وقت الاستفاقة العربية؟ السائلون ينسبون إلى انفسهم بعض التنصل من عروبتهم، يكونون عرباً بمقدار ما يُدخل القادة العرب، في حملة الدفاع عن الشعب الفلسطيني، شعوبهم وجيوشهم في المعركة الحاسمة. ايضاً المسألة تقع في السياسة اولاً واخيراً ولطالما عرفنا ذلك. هذا بيان يفترض ان الرابطة العروبية الوحيدة الممكنة والتي تجوز هي رابطة الثأر. انه منطق الضحية، المنطق الذي غلب على الفكر الحديث منذ الهولوكوست على اقل تقدير. ربما ايضاً منذ صلب المسيح في القدس، وبطرس الصخرة في روما. منذ ذلك الحين، دخل الثأر عنصراً حامساً ومرجحاً في السياسة اليومية. وعلى الأرجح ان مباني الدول الحديثة والروابط الإتنية تمت إلى منطق الثأر بأوثق الصلات. انما هل يحق للفلسطينيين المطالبة بالثأر ايضاً؟
المعضلة ليست في الثأر في حد ذاته. هذا شعور لا راد له، انما يستطيع الزمن ان يخفف من حدته. المعضلة تكمن في السياسة التي تبنى على اساسها الروابط القومية والوطنية. الرابطة التي تعيد تمثيل الجريمة كل يوم. في المدن الاميركية تظاهر اليهود ومناصروهم ليس لأن حماس تهدد الشعب اليهودي في فلسطين المحتلة، بل لأن ثمة اضطهاد تاريخي حاق باليهود في غير مكان. اسرائيل ومناصروها ينتقمون من الفلسطينيين، لأنهم يملكون الحق بتربية الحقد على غيرهم، حتى حين تكون صواريخ "حماس" غير قادرة على الإيذاء وتشبه في ما تشبه تصريحات احمدي نجاد، فإن الحق بتربية الحقد وتنمية الكراهية يجيز للإسرائيليين تشغيل آلة القتل في جسد من يعتبرونه عدواً.
الاشتغال بالسياسة كان على الدوام منتجاً وفاعلاً حين يستجدي ايقاظ مشاعر الكراهية وعزف ترانيمها. على الكراهية تنبني الإجماعات وعلى الكراهية يتم تخوين الذين يريدون التفكير قليلاً قبل الضغط على الزناد. ان ينتصر باراك في الحرب على غزة، يعني ان يجعل الوجع الفلسطيني اشبه بكي الذاكرة. حياً ومتذكراً، وبسبب من حيويته واقامته المديدة في الذاكرة يمتنع الفلسطينيون مستقبلاً عن تهديد امن المستوطنات. والحال، لا بد ان الوجع الفلسطيني هائل الوقع على الفلسطينيين انفسهم، اصلاً هو هائل الوقع على العرب جميعاً، مما يعني ان العودة إلى محاولة تهديد امن اسرائيل من قبل اي طرف فلسطيني بعد هذه المذبحة المتواصلة، لن يصدر إلا عن طرف من اثنين: واحد غض الذاكرة او ضعيف الانتساب إلى الذاكرة الفلسطينية الجامعة. وآخر يجري حسابات متجددة ويخرج من حساباته باعتقاد انه يستطيع إذا ما اشتعلت الحرب مرة اخرى ان يدمر اسرائيل ويرتكب مجازر في حق سكانها. لكن الفلسطينيين، العرب معهم، يعرفون ان مثل هذا الاحتمال بعيد المنال، وان جل ما تريده اسرائيل من هذه المذابح هو تأجيل الرد الفلسطيني بضعة اعوام اخرى ليتسنى للجرح الفلسطيني الغائر ان يلتئم قليلاً، وليتسنى للبعض نسيان التاريخ.
هكذا، تريد اسرائيل من فصد الدم الفلسطيني في غزة ان تحذر اهل الضفة وتكوي ذاكرتهم بالحديد والنار. تقتل الناس، من دون تمييز في الشجاعية وحي الزيتون من اجل ان يتألم اهل جنوب لبنان ايضاً. فالألم بوصفه اهم الروادع البشرية على الإطلاق مهارة لا يجيدها الموتى والشهداء، انها من اختصاص من بقي حياً. واسرائيل تريد ان تمثل بجثث الموتى ليتألم الاحياء. على هذا يتظاهر اليهود دعماً لإسرائيل لأن السياسة تنبئهم ان المهم بات ماضياً، ويقتل الجيش الإسرائيلي اهل غزة لكي يكون الألم هو مستقبل الفلسطينيين.
الجريدة

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .