الثلاثاء، 6 يناير 2009

حسام عيتاني: السلام هو وقف لإطلاق النار


عن مقومات العيش في اللاسلم






يطرد الكلام السهل الاسئلة الصعبة ويحيلها هباء. ليس الوقت، يقولون، للتأمل في مستقبل القضية الفلسطينية ومآلاتها. المعركة تدور الان في الميدان وعلينا ان ندع الميدان يقرر. الموسم موسم هجاء للانظمة (مجهولة الاسماء والعناوين) وعبادة الجماهير الحكيمة الغاضبة. ولتسكت ابواق الشؤم والانهزام »وليتحدث الرفيق ماوتزر« على ما دعا الشاعر ماياكوفسكي البندقية الشهيرة الى النطق، او بالاحرى الى احتكار الكلام، في واحدة من لحظات الثورة البلشفية الحاسمة. ليكن ذلك، بغض النظر عما ستفصح عنه الايام من نتائج. لكن لعل من المفيد تسجيل اكتشاف توصل اليه امس بعض المسؤولين العرب، في معسكري الممانعة والاعتدال، لحقيقة يعاد اكتشافها مع كل ازمة في المنطقة: ان اسرائيل لا تريد السلام، خصوصا ذلك الاستراتيجي المعروض عليها من قبل القمة العربية مجتمعة ومن دون استثناء. ربما هي الحقيقة الوحيدة القمينة بالتسجيل في حوليات الدول العربية. اسرائيل، فعلا، لا تريد السلام. لكنها اعدت نفسها لتحيا في غيابه. وتستطيع ان تزدهر مع السلام او من دونه، على ما علمت التجربة في الاعوام الماضية. وها هي الاحكام ضد المشاركين في احداث الاشهر الاولى من الانتفاضة الفلسطينية تصدر عن المحاكم الاسرائيلية من دون أي رد فعل عربي او حتى فلسطيني يدعو الى تعليق الملاحقات الاسرائيلية والتراجع عنها. الآلة الاسرائيلية ليست آلة عسكرية فحسب، بل هي آلة دولة تحاكم وتدين وتشرع القوانين ضد اعدائها الغافل اكثرهم عما يجري بين تروس الآلة هذه ونوابضها. وفي ما سبق تأكيد على ان اسرائيل لا تريد السلام وانها لا تمانع في استمرار الحرب الى ما لا نهاية، طالما انها جولات من القتل المجاني او شبه المجاني الذي يعالج كل بضعة اعوام بظهور »مؤرخ جديد« او فنان يكتب عن التطهير العرقي الاسرائيلي ضد الفلسطينيين او ينتج فيلما عن »الفالس مع بشير«، ما يساهم في ازاحة الاعباء عن الضمير الجمعي الاسرائيلي الذي قد يشعر بالصدمة من هول المجازر في المخيمات او القرى الفلسطينية، واعداد الضمير هذا لمرحلة مقبلة من الحروب لا تقل دموية. ربما من المفيد النظر في هذه القدرة الاسرائيلية على غسل الضمير وتبييضه كل بضعة اعوام. ربما من المفيد التمعن في معنى قتل الآخر، اذا أراد المرء تصديق ان الاسرائيليين هم نهاية المطاف بشر يقتلون بشرا لاسباب مرتبطة بحياة البشر، وليسوا ادوات ارادة غيبية صاغها نص تلمودي، على ما يهرف بعض الأدعياء عندنا. اسرائيل لا تريد السلام. تجعل هذه الحقيقة من كل وقف لاطلاق النار او تهدئة، بديلا عن السلام المتخيل الذي يقوم على الاستمرارية وانصراف الناس الى تدبر شؤونهم في المعاش والاجتماع والسياسة. وقف اطلاق النار والتهدئة والهدنة هي ايام السلام الوحيدة بين شعب ارتضى العيش في ثكنة محاصرة وبين شعوب تتنازعها الهواجس والاوهام حول مصائرها ومستقبلها. بيد ان العرب الذين ما انفكوا من حول خيار السلام الاستراتيجي، والذين يواجهون كل ثلاثة اعوام او اربعة، صدمة اكتشاف ان اسرائيل لا تريد السلام، لم يكلفوا انفسهم عناء البحث عن مقومات العيش في »اللاسلم«. واذا كانت هذه العبارة قد انتشرت في مطالع السبعينيات من القرن الماضي (مرفقة »باللاحرب«) لوصف الوضع في الشرق الاوسط بين موافقة مصر على مبادرة روجرز واندلاع حرب اكتوبر ،١٩٧٣ فإن في الحالة الراهنة ما يحض على الاعتقاد ان »اللاسلم« الحالي هو في اذهان العرب السلام الشامل ولكن غير العادل. فما من وسيلة مفهومة حتى الان لترجمة عمليات التعبئة الدعائية والايديولوجية الرسمية والشعبية والحزبية في البلدان العربية، ترجمتها الى فعل سياسي. كل يمارس هذه اللعبة لاهداف تخصه وتتعلق باكتساب الشرعية لنظامه وحزبه، بعمل من نوع البراباغندا المجانية. ففي محصلة ختامية، ينصرف المشاركون في ايام الغضب وسوراته الى بيوتهم وقد تكرست عندهم قناعة مزدوجة: انهم ادوا قسطهم في الذود عن القضية الفلسطينية وان »الآخرين« هم العملاء والمستسلمين المفرطين بحقوق شعب فلسطين ودماء اطفال غزة. لا نهاية لهذه الممارسة السياسية المحبطة للذات في العالم العربي، على ما يبدو. لكن اذا كانت الساحة محجوزة الآن للشعارات والهتافات، فلا مفر من القبول بتلك الطبيعة المتقطعة للحياة في بلادنا. حياة بين وقف لاطلاق النار وانهياره. بين صعود قائد ملهم وسقوطه. فاسرائيل لا تريد السلام، لكننا لا نعرف طريقا الى الحرب.
عن السفير

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .