الثلاثاء، 6 يناير 2009

بلال خبيز: العين على القاهرة والوجهة رام الله

هل تشاور السيد حسن نصرالله او خالد مشعل مع الرئيس السوري بشار الأسد او الرئيس الإيراني احمدي نجاد قبل ان يطالب ضباط الجيش المصري باقتحام معبر رفح وفتح الحدود امام حركة امداد المقاومين من حركة "حماس" بالعتاد والزاد؟
ثمة احتمال من اثنين: اما ان السيد لا يقصد ما قاله حرفياً، وإما انه لا يعرف معنى ان يستجيب قادة الجيش المصري لمطالبه. مقاومات اليوم تخونها الذاكرة احياناً.
لنفترض ان ما قاله السيد نصرالله صحيح بحرفه ومعناه. وان الجيش المصري "مثلما نسمع ونعرف" قيادة وضباطاً وجنوداً يريد ان يقتحم الحدود بدباباته وطائراته ويفتح حرباً ضد اسرائيل لنصرة الشعب الفلسطيني الذي يعاني من الوحشية الإسرائيلية ما يفوق الوصف. فهل يعتقد من يطلب مثل هذا المطلب ان الأمور بعد مثل هذا الحدث ستبقى مستتبة لقيادة ايرانية وسورية مشتركة، ويبقى الناطق الإعبلامي باسم محاربي اسرائيل قابعاً في قطر ولا ينتقل إلى القاهرة؟
انها مصر ايها السادة. حين تحارب، فلن تكون تحت راية "حماس" وحزب الله. وطبعاً ليس في وسع سوريا شعباً ودولة ان تنافس مصر على تسلم عصا الماريشالية إذا ما قررت مصر ان تسلك المسلك السوري نفسه. وهذا مما لا ترغب به ايران حتماً. انما ايضاً مما لا ترغب به سوريا ولا مواليها في لبنان وغير لبنان. والحال، ليس ثمة مطلب في هذا السياق ولا ثمة من يطالب. ذلك ان الثغرة التي تتنسم منها ايران هوءاها ستنسد سريعاً ما ان تدخل مصر على خط المواجهة المباشرة مع اسرائيل.
قد يقول قائل، ان وزن مصر وثقلها يبرران تسلمها دفة القيادة، فلا يعود ثمة في عالم العرب، اقله في مشرقه، من يستطيع ان يخرج عن طوع بنانها، وان دعاة المقاومة اليوم صادقين في دعاويهم إلى الحد الذي لا يحفلون معه بمرتبة او منزلة او زعامة. فتلدخل مصر في المعمعة وسنكون جنوداً نأتمر بأوامر ضباطها. ومثل هذا القائل لا يندر وجوده بين من يدعو مصر إلى اداء مثل هذا الدور.
لكن المسائل ليست بهذه السهولة والبساطة التي يكون عليها رجال المبادئ العامة عادة. فلا خالد مشعل ولا قادة "حماس" يرفضون مبدأ التفاوض مع العدو الإسرائيلي. اصلاً لم تكن هذه الحرب المستعرة الآن إلا انقلاباً على تفاوض سابق. ولا النظام السوري يحرك قطع جيشه على جبهة الجولان، وليس ثمة نية ايرانية في اطلاق الصواريخ البعيدة المدى التي تحرسها بأشفار العيون نحو اسرائيل. ولو ان هذا ما سيحصل لوجب ان نطالب مصر وغير مصر بما يطالبها به السيد نصرالله وخالد مشعل. ما يريده خالد مشعل هو تغيير عاصمة التفاوض. إذ يبدو ان الإدارة السورية احبت المفاوضات كثيراً وانتقلت من المفاوضات غير المباشرة إلى الدعوة لمفاوضات مباشرة. خالد مشعل يريد انتقال المفاوضات من القاهرة إلى دمشق، او طهران إذا امكن. والأرجح ان السيد نصرالله يريد الامر عينه. هكذا فلتفاوض اسرائيل حركة "حماس" او من ينوب عنها، بصرف النظر عن شروط التهدئة اليوم ومدى ملاءمتها لحركة "حماس" والشعب الفلسطيني عموماً. وحيث انه من المرجح ان قادة الحركة بأنفون من الاتصال المباشر مع اسرائيل ويأخذون على الرئيس محمود عباس غرقه في بئر التفاوض غير المجدي، فإن المرشح لأن يكون الوسيط بين الجانبين هو سوريا، خصوصاً انها باتت على قاب قوسين او ادنى من افتتاح عهد المفاوضات المباشرة.
هذا مطلب اول، ماذا عن مطالب حزب الله وحركة "حماس" الأخرى؟
إذا كان مثل هذا المطلب لا يفسر التسرع في اعلان ما يشبه الحرب الحزب اللهية على مصر، فإن تتمة هذا المطلب لا تستقيم إلا مع إعلان كهذا. فمصر لو تخلت عن دورها في رعاية التفاوض بين غزة وتل ابيب، لن تفقد قوتها ووهجها وقدرتها على التأثير في مجريات الأمور حتى في ظل صمتها وغيابها. وواقع الحال، ان الغياب المصري عن التدخل الفاعل في نصرة "حماس" في مواجهة حركة "فتح" في ما يخص شرعنة سيطرة "حماس" على غزة هو ما يلكز خاصرة قادة حماس بانتظام، وهو ما يجعلهم بتخذون مثل المواقف التي يتخذونها. إذ ليس الانقلاب على اتفاق التهدئة هو فقط ما يثير الكثير من علامات الاستفهام في مسلك قادة "حماس" بل ايضاً معنى ان يمنع هؤلاء جرحاهم من العبور إلى مصر للمعالجة. هل ثمة من يصدق ان الجرحى انفسهم طالبوا قادتهم بإبقائهم هناك لئلا تنكل بهم السلطات المصرية؟ على ما نقلت قناة "الجزيرة" الموثوقة جداً جداً، والمتحمسة جداً جداً، عن احد قادة "حماس". الأمر يتعدى هذا التبرير الذي لا يملك من الوجاهة اي حظ، إلى اعلان سياسي مفاده: لا نريد تدخلاً مصرياً في اي شأن من شؤوننا. ولنترك تقرير الأمور لأولياء امورنا، السوريين والإيرانيين. ولو ان مصر عرضت على قادة "حماس" ان تقل الجرحى بطائرات مصرية إلى دمشق للمعالجة، لما تردد هؤلاء لحظة واحدة.
ثم لنفكر قليلاً في معنى المطلب الحماسي بفتح معبر رفح من دون قيد او شرط. هل تضمن حركة "حماس" في ظل الهجمة الوحشية الإسرائيلية على قطاع غزة ان لا يفرغ القطاع من سكانه جميعاً؟ إذا كان ثمة من شكوك حيال هذا الأمر فلم لا يسأل السيد خالد مشعل اسامة حمدان عما جرى في حرب تموز في العام 2006؟ وإذا ما نزح الفلسطينيون من غزة في محاولة للنجاة من آلة الحرب الغاشمة، فكيف يتسنى لمقاتلي الحركة الصمود؟ ومن اجل من سيصمدون؟ في هذه الحال، الارجح ان يعمد مقاتلو "حماس" إلى منع الناس من الخروج وضبط المعبر ضبطاً دقيقاً، في وقت يطالبون مصر بالكف عن ضبطه.
لا يخفى على احد ان الهجوم على مصر يقوم على خلفية غايات اقليمية واضحة. لكنه ولا شك هجوم محدود. ويعرف الجميع ان مصر لا تهزم بالتظاهرات والخطب، ولا تسلس قيادها خجلاً او قلة حيلة. لكنهم يعرفون ان مثل هذا الصراخ المصم، قد يربك مصر ردحاً، وهذا هو عين المراد. في الأثناء، تُحاصر حركة "فتح" في الضفة وتضبط متلبسة بالتفاوض مباشرة مع العدو، والتعاون الوثيق مع مصر المربكة. فيتم الانقلاب عليها ولا يعود ثمة طرف فلسطيني قابل لأن يكون شريكاً في السلام، فتؤول الأمور كلها إلى المفاوض السوري الذي يصبح ممسكاً بالورقة الفلسطينية تماماً ولا يعود ثمة ما يمنعه من تحقيق انجاز لبناني مماثل لانجاز 7 ايار الماضي، بحجة ان الانقلاب على من يوالي مصر في لبنان بات ملحاً ومطلوباً. فما دامت المقاومة لا تستطيع ان تحدث انقلاباً في مصر، فليس اقل من طرد مصر من لبنان وفلسطين. ومعنى ذلك ان الانقلاب الذي يتحدث عنه حزب الله وحركة حماس، لن يحصل في القاهرة، بل في رام الله وربما في بيروت.
عن موقع المستقبل

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .