الثلاثاء، 6 يناير 2009

بلال خبيز: الدم حين يهون

في احوال الغضب
لم يكن متوقعاً ان تفاجئ الطائرات الاسرائيلية مقاتلي حركة حماس في مهاجعهم. قادة الحركة في دمشق كانوا قبل ايام قد اعلنوا انهم ما عادوا معنيين باتفاق التهدئة بين الجانبين. وعلى الأثر امطر مقاتلو الحركة المستوطنات الإسرائيلية بصواريخ القسام. الرد الإسرائيلي كان متوقعاً في اي لحظة، لكن مقاتلي حماس، لسبب غامض، كانوا غير مستعدين لمثل هذا الاحتمال. فوزي برهوم الناطق باسم حركة حماس يصرح لقناة الجزيرة ان الجانب المصري ابلغ قادة الحركة ان اسرائيل لا تعتزم شن هجوم على قطاع غزة. فاطمأن المقاتلون وفاجأتهم الضربات. النتيجة، خسرت حركة حماس في يوم واحد عدداً من المقاتلين يفوق عدد المقاتلين الذين خسرهم حزب الله في 33 يوماً في حرب تموز العام 2006. الضربة الإسرائيلية بدت بالنسبة للقادة الإسرائيليين نصراً معنوياً. انما لا يزال السؤال عالقاً في حناجر الفلسطينيين واللبنانيين وربما المصريين: ماذا بعد هذه الضربة؟ هل انتهت هذه الجولة ام لم تنته بعد؟
حركة حماس تعرف لمن توجه لومها، منذ ان اعلن خالد مشعل من دمشق وقف العمل باتفاق التهدئة من جانب حماس، واخذ قادة حماس في الداخل والخارج يتوعدون اسرائيل بردود مزلزلة، كان ثمة سعي حماسي ترعاه سوريا وايران لمخاصمة مصر. الأمر بدا في الايام الأولى لاستئناف اطلاق صواريخ القسام اكثر من خصومة، كانت التظاهرات المؤيدة لحركة حماس والشعب الفلسطيني الذي يقبع تحت حصار خانق في قطاع غزة، تحمّل مصر مسؤولية اقفال معبر رفح، وتالياً معاناة الشعب الفلسطيني المتفاقمة. قبل ذلك بزمن وجيز منعت قوات حماس الحجاج الفلسطينيين من عبور معبر رفح، فتحه المصريون لكن حماس رفضت السماح للحجاج بالعبور. اليوم يعلن الجانب المصري ان حركة حماس ترفض نقل المصابين اثر الغارات الإسرائيلية إلى المستشفيات المصرية. حركة حماس تريد القول، على الارجح، انها لا تريد من مصر اي مساعدة من اي نوع. فشوكة الخصومة مع الحكومة المصرية اصبحت اقوى من الرغبة الابدية بحقن الدم. قد يكون مسؤولو حماس في قطاع غزة غاضبين من مصر إلى درجة بات معها الدم الفلسطيني هيناً عليهم. للغضب احوال، وهذا الذي يجري في غزة من متناقضات بعض وجوهه.
تطور المطلب الحماسي من مصر من الدعوة إلى فتح المعبر تحت طائلة التخوين، واصبح الحماسيون، انتساباً إلى حركة حماس، وتضامناً معها وغيرة عليها، يريدون من مصر ان تثبت براءتها من تهمة التواطؤ مع العدو الإسرائيلي. المجزرة الإسرائيلية في غزة لم يسبق لها مثيل، والمطلوب من الدول التي تقيم علاقات مع العدو الإسرائيلي ان تطرد السفراء، اما ما هو مطلوب من الرئيس محمود عباس في رام الله، فيتجاوز هذا المطلب إلى حدود إعلان وقف التفاوض مع العدو. وهذه مطالب وجيهة وعلى قدر من المنطقية، لكن ما يبدو غير واضح هو مطلب حماس من سوريا مثلاً. قبل ايام قليلة من الهجوم الإسرائيلي المتوقع على غزة، اعلن الرئيس السوري انه يحبذ التفاوض المباشر مع اسرائيل مشترطاً رعاية اميركية لهذه المفاوضات. لم تقطع حركة حماس علافاتها الدبلوماسية مع النظام السوري، ولم تهدد باتخاذ اجراء مماثل ما لم يتراجع الرئيس الأسد عما اعلنه.
سترد حماس رداً مزلزلاً. المجزرة الإسرائيلية لا سابق لها، انها دير ياسين جديدة على ما يقول امين عام حركة الجهاد الإسلامي الدكتور رمضان شلح من دمشق. لكن ما الذي كنا ننتظره من اسرائيل؟ ان ترد بصواريخ مماثلة في فاعليتها لصواريخ القسام؟ اسرائيل هي العدو، العدو الذي قد ينتهز اي فرصة لإيذائنا ولن يتردد في فعل ذلك ما ان تلوح له فرصة. ثمة في الشعور بالمفاجأة ما يريب. مع ذلك، ورغم هول المجزرة، يتوعد الكثيرون في حركة حماس وفي طهران ايضاً ان اسرائيل ستلقى عقاباً اشد مما جنته طائراتها في غزة. لكن الوعيد الأصرح يطاول مصر والسلطة الفلسطينية ويغمز من قناة المملكة العربية السعودية. مفاد الوعيد ومبتغاه واضح، اما تحرك مصر جيشها لمهاجمة اسرائيل وتستعمل المملكة العربية السعودية سلاح النفط للتأثير على اميركا التي تؤثر بدورها على اسرائيل وتقوم حركة فتح باعلان حرب مفتوحة على اسرائيل في غزة، واما يكون الجميع متواطئون. لبنان ليس محسوباً في هذه المعادلة، ما زال جرحه طرياً، انما يجدر بنا ان نضيف على مطالب حماس مطلباً صغيراً: الأجدر بسوريا ان تقتحم بقواتها جبهة الجولان. الن يكون هذا منصفاً للجميع؟ او على الأقل فليكف مسؤولوها عن مطالبة غيرهم بما لا يجرؤون على القيام به هم انفسهم.
ما يختفي وراء اجمة المطالب هذه، قد ترد عليه مصر بكلمة واحدة، كلمة سورية المصدر: نحتفظ بحقنا في الرد في المكان والزمان المناسبين. وحيث ان المكان الذي تختاره سوريا للرد يكون بعيداً عن اسرائيل دائماً، فربما يحق لمصر ان ترد في مكان بعيد ايضاً.
ليس هذا كله دفاعاً عن موقف مصري، لكنه استهجان لموقف آخر. ذلك ان حركة حماس في مواجهة المجزرة الإسرائيلية تبدو كما لو انها تفضل ان ترد على مصر وليس على اسرائيل. وعلى نحو ما تحولت مسألة المعابر مع قطاع غزة مسؤولية مصرية في تصريحات قادة حماس، في حين انها كانت على الدوام مسؤولية اسرائيلية في الدرجة الأولى، فإن هؤلاء انفسهم يريدون تحويل المسؤولية الإسرائيلية عن المجزرة وتحميلها مجدداً لمصر. وفي هذا ما يفسر الاسترخاء الذي كان عليه مقاتلو حماس قبل المجزرة، حيث سقط العدد الأكبر من الشهداء في المراكز الأمنية المعروفة مواقعها للجميع. كما لو ان حركة حماس لم تكن تنتظر الضربة من اسرائيل. وكما لو ان الصواريخ التي اطلقتها في الأيام القليلة الماضية لم توجه إلى المستوطنات. وبكلام اوضح، كما لو ان حركة حماس كانت تنتظر تفهماً اسرائيلياً لعمليات اطلاق الصورايخ، فمعركة حماس المفتوحة ليست مع اسرائيل بل مع مصر، وليس ثمة مصلحة اسرائيلية في الدفاع عن مصر في مواجهة حماس.

عن موقع المستقبل

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .