الجمعة، 16 يناير 2009

حسن البطل: لأ مش كده يا سيد مسعود

أعادني الاسم الكودي للحملة الاسرائيلية الجارية الى بداياتي المهنية.. وبفضل قلم الأديب الاسرائيلي ابراهام بولي يهوشواع ("الأيام" ص 14، يوم 2001/1/7، نقلاً عن معاريف) فهمت لماذا سمّاها جنرالات هيئة أركان الفريق غابي اشكنازي "الرصاص المصهور".عندما تلقى حي الفاكهاني - بيروت الغربية حمماً من قذائف عيار ربع طن، في تموز 1981، كنت في "مطبعة الكرمل"، وكان عمال الطباعة ينضدون عدد جريدة "فلسطين الثورة" بحروف من رصاص مصهور (طباعة لينو تايب)، ولأن أبخرته مسرطنة كان على عمال الطباعة مباشرة عملهم بشرب نصف ليتر من الحليب. لغير هذا قال درويش: "ارحموا العمال في مطبعة الكرمل"، أي لأنهم كانوا يطبعون صور الشهداء والقتلى.. ومعها مقالات مشحونة بيورانيوم سياسي مشع!المهم، ان تعبير "رصاص مصهور" مشتق، كما أوضح يهوشواع، من اغنية أطفال عبرية ينشدونها في عيد الحانوكا "الأنوار"، ومنها: "أبي صنع لي لعبة من رصاص مصهور". بعض قدامى زملائنا في قسم التنضيد الالكتروني اجتازوا مراحل الطباعة كلها، لكن قدامى حملة الأقلام، الذين كان معين بسيسو نصحهم باتقان الكتابة بالحبر، لا بالدم وحده، لفلسطين، يبقون يشعرون ان الحبر في أقلامهم الجافة ثقيل كالرصاص المصهور.. وفي سخونة الدم المهراق الفلسطيني في حروب الأعوام .2009 - 1965بالأمس اشتكى زميلي الاستاذ جهاد الخازن، في زاويته "عيون وآذان" من ان تعليقات القراء على ما يكتبه، إما هي شظايا غضب عنقودية، او مغموسة بيورانيوم مشع.. وبالطبع بالقدح والمدح، الثناء القليل والشتائم الوافرة المقذعة.. وبعضها باسم مستعار والآخر مبني للمجهول.مع الاخراج الجديد لموقع "الأيام الالكترونية"، صار من المتاح لقراء عمودي هذا نقعي في "رصاص مصهور"، دون الاشارة الى الاسم أو العنوان الالكتروني، بما يطرح على محرر عمود "من القارئ" تحدياً مهنياً وأخلاقياً بالنشر من عدمه، لا سيما وأنني استننت قاعدة مهنية بضرورة تزويد القارئ رسالته بعنوانه الالكتروني، ليتسنى لقراء غيره التواصل معه، وممارسة حق الرد، وهو أساس حرية التعبير المسؤولة، التي تغيب عن أقلام بعض القراء مع كل حرب اسرائيلية ذات اسم كودي خاص بها.كان رئيس أركانهم السابق، موشيه يعلون، قد تحدث عن صهر أو كي وعي الفلسطينيين، ثم وفي كتابه: "طريق طويل؛ طريق قصير" أفصح عن خيبته من العناد الفلسطيني، والرأس اليابس الفلسطيني، وانحاز إلى أقصى اليمين ودعوات الترانسفير. لماذا؟ لقد كان هو الضابط المكلف في حرب 1982 باغتيال ياسر عرفات، وتوصل يعلون بعد الانتفاضة الثانية الى استنتاج مفاده بأن عرفات هو واضع نظرية: اسرائيل بيت عنكبوت المنسوبة الى السيد نصر الله، المأخوذة من آية قرآنية كريمة: ".. وان أوهن البيوت لبيت العنكبوت" - العنكبوت 41.لاحقاً، ستتوصل تكنولوجيا المواد إلى ان أنجع واقيات الجنود المضادة للرصاص هي تلك المجدولة من خيوط تحاكي فيزيائياً وكيميائياً خيوط العنكبوت.. ولاحقاً جداً، سنعرف هل ستفلح حرب الجنرال اشكنازي في اعادة صياغة الوعي الفلسطيني بعد حملة "رصاص مصهور"، أي صياغة العقل الجهادي لحركة حماس صياغة سياسية ملائمة لاسرائيل.أعرف، كمحرر سابق للشؤون الاسرائيلية، ان العقلين اليهودي والعربي يشتركان في جوانب عديدة من الغريزة البدائية، باستثناء ان اسرائىل تمكنت من بناء قبضة حديدية - تكنولوجية ونظام لديمقراطية اليهود، وهو ما لم تدركه مصر للأسف بدليل ان انفعالية الخطاب الشعبي لم تتغير من "فلسطين المغتصبة" إلى التهليل لاطلاق قذائف على "المغتصبات" الصهيونية، ورمي أي تحليل نيّر وسياسة عاقلة، بما يرمي به القراء بعض ما أكتبه في هذا العمود، ويكتبه جهاد الخازن مثلاً، مع انه كقلم حر يميل مع الهوس السياسي، في حين ان قلمي الملتزم مكبل بضوابط الوحدة الوطنية.الاعلام الاسرائيلي محكوم، بدوره، برزم خيوط عنكبوتية متينة تقول وقت الحرب: صمتاً.. ابناؤنا يحاربون، بينما الاعلام الفلسطيني (والعربي والاسلامي) محكوم بسلاسل كأنها تقول: صراخاً.. أطفالنا يموتون.يخيل إليّ ان المتعاورين في هذه الحرب تحكمهم عقد دفينة: يهود اسرائيل والهولوكوست وهدم الهيكل. بعض العرب والمسلمين إما بتراث حرب صفين، او سقوط الاندلس، وبعض الفلسطينيين بالنكبة واغتصاب فلسطين.. والمؤامرات المحكمة الصليبية والامبريالية واليهودية - الصهيونية.. الخ.هاكم الدليل: كتبت بالأمس عن دور المنظمات الدولية في المساندة الانسانية، فكتب إليّ المواطن "مسعود" يقول بالحرف: "ألا تلاحظ ان المنظمات الانسانية التي تقدم الغوث في العالم للناس المنكوبين.. كلها منظمات عملها "الكفار"؟ لا منظمات انسانية عربية تقدم العون لسائر البشر. هذا هو الفرق يا استاذ. مش كِدَه وإلا إيه.جوابي هو: لأ.. مش كِدَه يا سيدي، لأنك لم تزودني باسمك ولا بريدك الالكتروني.
الايام

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .