الجمعة، 16 يناير 2009

بلال خبيز: الفصاحة المنتصرة

الرئيس محمود احمدي نجاد بديع البيان. في اللحظة نفسها ينبئك ان المقاومة تنتصر، وان اسرائيل تترنح جيشاً وحكومة تحت ضربات المقاومة، ثم لا يلبث ان ينبئك باللسان الفصيح نفسه، ان على العالم ايقاف الهجوم الوحشي الذي تشنه اسرائيل على الشعب الفلسطيني. المعادلة لمن لم يتعمق في البلاغة الفارسية والعربية على حد سواء تقتضي منا ان نتفكر طويلاً. هل المقاومة التي يتحدث عنها الرئيس نجاد موجودة في غزة، ام ان الطائرات التي تقل مناضليها لم تقلع بعد من مطارات طهران؟ الرئيس نجاد يعرف انه منتصر، هو منتصر فعلاً. إذ كيف يكون المرء مهزوماً إذا كان الدم المراق ليس دم شعبه، وإذا كان القاتل يوجه آلته الجهنمية إلى غزة وليس إلى طهران. منتصر، ويحق له ان يحتفل بالانتصار. بل انه، بخطابه فقط، وببعض عائدات النفط، بات يحتل عواصم عربية ومدناً كثيرة. منتصر وفصيح، والفصاحة من شيم المنتصرين.
والرئيس نجاد يستطيع ان يتكلم، فكل المنابر تنتظر كلمته. يتكلم، لأنه قادر في الحقيقة على الكلام. هكذا هي تسيبي ليفني ايضاً منتصرة وقادرة على الكلام. دائماً تواجه بسؤال مثير: متى تنهون هجومكم؟ ودائماً تجيب جواباً ملتبساً: نحن من يقرر متى وكيف واين ننهي الهجوم. منذ اللحظة الأولى للهجوم الإسرائيلي كانت تتلقى الاتصالات من قادة العالم الذين يستفسرون عن المدة الزمنية التي سيستغرقها الهجوم، ودائماً تتنصل من التعيين، ولم تنس مرة واحدة ان تتمنى للقادة الذين اتصلوا بها عاماً سعيداً. نحن في بداية عام جديد، وكان من المفترض ان يكون سعيداً. لكنه لم يكن.
المقاومة التي ما زالت تصر على تصوير عملياتها ضد جيش الاحتلال سعيدة ايضاً، لكنها ليست فصيحة لسبب غامض. النضال من اجل القضايا المحقة يكلف تضحيات. لا بأس، كان معبر رفح مفتوحاً قبل انقلاب 2007، لكن قلة التضحيات الفلسطينية يومذاك جعلت حركة "حماس" تستخدم الابراج العالية في غزة منصات لرمي مناضلي فتح عن سطوحها. القضايا الكبرى تكلف تضحيات جسام. ولم يكن وقتها الظرف مناسباً للتضحية في المكان المناسب، لا بأس من تنفيذ تمرين صغير بأجساد الفتحاويين. النتيجة اقفال معبر رفح. هذا المعبر الذي كلف الفلسطينيين اقتتالاً اهلياً ودماء كثيرة لإقفاله، واليوم ثمة دماء سالت إلى حد فاق القدرة على الاحتمال من اجل فتحه. لماذا اقفلتموه بالدماء ما دام امر فتحه عزيزاً إلى هذا الحد؟ يا للمعبر المحظوظ.
الدم الفلسطيني لم يترك مكاناً للوم والعتب. في وسع السلطة الفلسطينية في رام الله ان تنسى، في وسعها ان تضرب صفحاً عما جرى. الوحدة الوطنية اهم وابقى من المجازر الزائلة. فضيلة المجازر الإسرائيلية انها لشدة هولها تمسح مجازر الاخوة الصغيرة في ما بينهم. ليس ثمة مكان للعتب واللوم. هذا على المستوى الفلسطيني، وعلى بعض المستوى العربي ايضاً. الوقت ليس وقت عتاب. لكنه بالنسبة لبعض القادة العرب المستجدين في القيادة وقت مناسب لترؤس القمم واستعراض البلاغة اللفظية. ما الذي تفعله سوريا بالمناسبة؟ لماذا لم يتقدم رئيسها ووزير خارجيتها بمبادرة تحقن الدم الفلسطيني؟ ام ان العزلة المفروضة على نظامها تحول دون نجاح اي مبادرة؟ النظام الممانع معذور في عزلته. انما والحق يقال كدنا نصدق ما ردده اركان النظام وهم يفاخرون بأن دمشق اصبحت محجة للزوار الرسميين من اوروبا والعالم كله. في نيسان 1996، نفذت اسرائيل هجوماً وحشياً على لبنان. يومها وقف وارن كريستوفر منتظراً على باب الرئيس الاسد، فيما كان اللبنانيون قابعون تحت النار. ليس السر في من يموت بل عمّن يموت.
الدوحة، ايضاً. مكان مناسب لانعقاد القمة العربية الطارئة. من هناك يمكن للجيوش العربية ان تحرر قطر، ان تهاجم القاعدة الاميركية هناك، أو ان تحرق المكتب الاسرائيلي التجاري. هذه القمة فضيلتها انها تعقد في الدوحة حيث في وسع من يريد التظاهر امام المكتب الإسرائيلي ان يتظاهر. هل حصلت تظاهرة تضامن مع غزة في الدوحة امام السفارة الإسرائيلية او المصرية؟ لم تبث قناة الجزيرة خبراً مماثلاً. انما فلنأمل خيراً فقد تحدث في مقبل الأيام تظاهرة ولو قضاء وقطراً.


موقع تيار المستقبل

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .