السبت، 10 يناير 2009

حسن البطل: وهي حرب لاحتلال القضية؟

اما احتلال الشاشات فيتبدد كالدخان

 

 

"يمارسون الغزو ضد الغزو في خلجان جسمك". (محمود درويش).


ما هي القنبلة في فعلها الفيزيائي؟ الوهج. الصوت والدخان. لكلمة وصف الحرب أن تكون مأخوذة بالوهج، أو بالصوت.. أو بالدخان. يقال: إن الصحافة لوصف الوهج، والرأي لنقل الصوت.. والتحليل لرؤية ما وراء دخان المعارك.
صحيح أن قنابلهم مغلّفة، مثلاً، باليورانيوم المستنفذ، أي بالتكنولوجيا؛ وأن قنابلنا مغلّفة، مثلاً، بالأيديولوجيا الجهادية. لهذه القنابل وتلك وهجها وصوتها ودخانها.. والعقل السديد هو القادر على رؤية هدف الحرب خلف سحابات أدخنة سقوط القنابل.. وهكذا، فهذه حرب تخوضها إسرائيل لتفكيك قضية فلسطين، وتركيب السلام السياسي بما يلائمها؛ بينما تبدو حربنا / الحرب باسمنا، لاحتلال القضية لا لتحرير البلاد، أي ما هو أبعد من احتلال حركة "حماس" للديمقراطية والشرعية، أو استكمال سيطرتها على السلطة.
انظروا كيف لم تفكر فصائل م.ت.ف والقيادة التاريخية لحركة التحرير الفلسطينية بالطلب من عناصرها ومريديها وشعبها أن تقسم يمين الولاء "على السمع والطاعة" لأولي الأمر، بينما لم تتورّع حركة "حماس" في آخر احتفال لسنوية تأسيسها عن مثل هذا الطلب.
هذه المقابلة أبعد ما تكون عن الشكلانية والتعسّفية، باعتبار أن الحركة الفلسطينية حتى صعود "حماس"، عبر الصناديق ثم عبر بنادق الاقتتال، قدمت نفسها كطليعة تحرير وطني تنوب عن تقاعس حركة التحرير القومي العربي، وأحد روافد حركات التحرير الوطني العالمية: "هذه ليست ثورة الشعب الفلسطيني وحده، بل ثورة الأحرار في الأمة العربية.. والعالم أجمع"، كما كان يقول أبو عمار، وأمَرَنا ببيروت أن نضعها ترويسة جانبية على قرنة جريدة "فلسطين الثورة" اليومية، بينما الترويسة الجانبية الأخرى كانت صورة قبّة الصخرة المشرفة، مذيلة بعبارة: "القدس يا عرب"!

بدأتُ بتحليل الفعل الفيزيائي للقنبلة البسيطة، ولو كانت مغلّفة تكنولوجياً باليورانيوم المستنفذ، أو مغلّفة أيديولوجياً بيورانيوم الدعوة الجهادية، لأن قضية فلسطين، وهي قنبلة متسلسلة في الزمان التاريخي، والمسار التاريخي، والنتائج التاريخية، تستخدم ستاراً من دخان في صراع إيران لتغطية مشروع قنبلتها النووية باليورانيوم الجهادي..غير المستنفذ.
على ذلك، هناك وجه من وجوه الصحة في وصف هذه الجولة بأنها "حرب الفرقان"، طالما انفجرت في نقطة التماس الساخنة بين المحور الشمالي الإيراني - السوري، والمحور الجنوبي المصري - السعودي.
يبدو ضجيج التضامن الإسلامي هو الأعلى من التضامن القومي، في حين أن التضامن الإنساني العالمي هو الدائرة الواسعة في هذه الدوامة.. علماً أن التضامن الوطني الفلسطيني الشعبي والرسمي (أي إدارة السلطة للمعركة السياسية) هو الأجدى والمرجح.
يقوم العقل الانفعالي الشعبي، الفلسطيني والعربي، بعملية تعيير الهدوء النسبي الشعبي الفلسطيني بالانفعال الشوارعي العربي، والموقف السياسي العربي المحكوم باتفاقيتي سلام مع إسرائيل، بالموقف السياسي لدولتين إسلاميتين كبريين، هما: إيران وتركيا. لكن، خلف الدخان، تقوم مصر السياسية - الرسمية بالدور الأكثر أهمية من كل هذا الضجيج والوهج التضامني، وتتعاون مع قيادة السلطة التي تبرهن عن مزيج جيد من الحصافة السياسية وروح المسؤولية الوطنية.
ينبغي، مع هذا التحليل الذي يحتمل الخلل والتبسيط، التمييز بين التضامن الأيديولوجي الإيراني والتضامن السياسي التركي. كيف؟ بالاستناد الى الفوارق بين ترسانة صواريخ وأيديولوجيا ومشروع قنبلة نووية في كوريا الشمالية (كناية عن إيران) ومشروع دولة حديثة تكنولوجية في كوريا الجنوبية (كناية عن تركيا).
من الواضح، أن التضامن التركي هو الأجدى من الإيراني، كما أن النموذج الإسلامي - العلماني التركي هو الأجدى للعالم الإسلامي من النموذج الديني - الجهادي الإيراني. لماذا؟ لأن حرب إسرائيل على غزة قد تجعلها تخسر صداقة وتعاون تركيا، بينما تخوض إسرائيل حرب غزة لجعل إيران تخسر في حملتها لاحتلال قضية فلسطين، هي وحليفتها الانتهازية سورية، ووكلاء دمشق وطهران في فلسطين ولبنان.
هل من الغريب أن يبدو النظامان الإيراني والسوري، الساعيان لاحتلال القضية، أكثر رسوخاً في الجثوم فوق شعبيهما، بينما النظامان الفلسطيني والإسرائيلي في مرحلة انتقال سلطوية.. لكن، مهما بدت الديمقراطية ضعيفة أمام الشمولية، فإنها الأقوى والأكثر قدرة على رؤية الحقائق السياسية خلف ستار أدخنة سقوط القنابل.


 عندما يلعب السيد أوباما لعبة التفاوض مع إيران وسورية، سيتم إخصاء سياسي للقنبلة الإيرانية، وإطفاء سياسي للراديكالية السورية.. وستكتشف الأدوات الصغيرة الفلسطينية أنها أعجز عن "احتلال القضية".. وأما احتلال الشاشات والصحف فسوف يتبدّد كالدخان!

عن الايام الفلسطينية

 

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .