الاثنين، 12 يناير 2009

حسن البطل: 1860


أولاً في الوصف، وثانياً في القراءة، وثالثاً في التحليل. بما في الوصف من بلاغة التصوير، سأقول إنّ الشاشات انتقلت، في فترة الأعياد، من ألعاب نارية بهيجة تنفجر مطلّة من الأضواء في السماء، إلى ألعاب نارية وخيمة تنفجر بأضوائها الوخيمة حاملة الموت والدمار لشعب غزة وأرضه.. لكن في العلاقة بين هرم بهجة الأعياد وهرم ويلات العذاب البشري تزيغ الأفئدة والعقول عن القراءة السياسية الصحيحة للعلاقة بين سير الحرب، أسبابها، ذرائعها؛ وبين نتائجها الآنيّة وتلك البعيدة المدى.مع هذا، لا بد من خوض مغامرة قراءة أولية في التحليل السياسي للقرار 1860، باعتباره رابع قرار رئيسي لمجلس الأمن خاص بأربع حروب عربية - إسرائيلية، هي القرار 242 لحرب العام 1967، والقرار 338 لحرب العام 1973، والقرار 1701 لحرب العام 2006 بين إسرائيل وحزب الله.من حيث المستوى / الشكل السياسي والدبلوماسي، فقد صدر القرار 1860 على مستوى وزراء خارجية الدول الكبرى في مجلس الأمن، في الأقل الدول الغربية الثلاث الكبرى، بينما صدرت القرارات الثلاثة السابقات له على مستوى المندوبين. إلى هذا، فإنّ قطبي الدبلوماسية العربية (السعودية وأمين عام الجامعة العربية) لعبا في صوغ القرار دوراً أكبر.أمّا من حيث المحتوى، حيث يدور "عصف عقول وألسنة" في إعداده وصوغه وطبخه، فللحق أنه جاء أوضح وأكثر تفصيلاً من القرارات 242، 338، و1701، بحيث إن السيدة رايس اضطرت للامتناع المزدوج: عن التصويت وعن استخدام حق النقض، كتعبير عن حراجة الموقف السياسي الأميركي، إزاء نجاح رؤساء الوفود العربية بخلق درجة من التباين بين فرنسا وبريطانيا (الاتحاد الأوروبي) والولايات المتحدة.إنّه قرار غير قاطع، لأن الدبلوماسية لا تقطع في موقف لم تقطع فيه سير عمليات الحرب أولاً، ولأن الصياغة حمالة الأوجه هي فن الدبلوماسية الأول. مع هذا، فالقرار الذي لا يتوقع فاهم في السياسة صدوره وفق البند السابع لميثاق الأمم المتحدة، جاء بصيغة "الملزم" ولو لم يلتزم به، على الفور، الفريقان المتحاربان.. كلّ لأسبابه، علماً أن مناوشات وخروقات ما بعد صدور القرارات 242 و338 و1701 حيّة في الأذهان. يكفي، مثلاً، أن جيش إسرائيل أنجز "ثغرة الدفرسوار" الشهيرة في نهاية حرب أكتوبر 1973 بعد صدور القرار.ما الذي جعل القرار الملزم - غير الملتزم به بعد، أقوى وأوضح في الصياغة من قرارات سبقت، صدرت بعد حروب أخرى وأضرس، وأكثر تهديداً للسلام الاقليمي، بل والعالمي؟ وللتذكير، فإنّ موسكو، التي خشيت انهيار الجيش المصري في ختام حرب أكتوبر 1973، لوّحت باستنفار نووي، بينما أشار القرار 1860 إلى مؤتمر دولي في موسكو حول الشرق الأوسط سيعقد في مجرى هذا العام.للأسف، وبدلاً من "التنابز بالألقاب" الذي نهى عنه رسولنا الكريم، فإن المحور الشمالي الإيراني - السوري وتوابعه وأدواته انتهزوا اندلاع المعارك وصدور القرار 1860 للتنابز بالمواقف، بما عطل ذهاب العرب في مؤتمر وزراء خارجيتهم بموقف عربي سياسي مشترك كان سيجعل القرار أكثر قوّة ووضوحاً.يتحمّل المحور الشمالي - النضالي الجهادي مسؤولية أيّ ضعف نسبي في صوغ القرار السياسي لا الحربي، بينما نجح المحور الجنوبي - السياسي الدبلوماسي في لعب دور في صوغ القرار. لا حركة "حماس" ولا نظامي دمشق وطهران كانا في مركز صنع القرار. في المقابل، وبغض النظر عن تجنيات حكومة غزة بحق حكومة رام الله، فإن السلطة الفلسطينية، بقيادة الرئيس عباس، كان لها دورها في صناعة القرار العربي، بما أثّر إيجاباً في دور العرب بصياغته، ودور الاتحاد الأوروبي أيضاً.ماذا عن إسرائيل، صاحبة القوّة الجوية الرابعة عالمياً، "وأقوى جيش على وجه الأرض" حسب قول الرئيس بوش في لقائه الأخير برئيس الوزراء أولمرت؟مرّة أخرى، وأوضح من حروب الأعوام 1967، 1973، و 2006، يبدو دور إسرائيل قميئاً في صنع القرار الاقليمي، بل والدولي حتى، وإن رفع مجلس النواب ومجلس الشيوخ الأميركي عتب إسرائيل على تقاعس واشنطن عن استخدام حق النقض. لنتذكر أن حروب إسرائيل، وبالذات حرب العام 1982 ضد م.ت.ف بلبنان، كانت تتوخى إعادة رسم الخارطة الجيو-سياسية للشرق الأوسط.. وفشلت في ذلك فشلاً مبيناً، وهي ستفشل هذه المرّة أيضاً، لأنها أفرطت باستخدام القوة أكثر من حروبها السابقات، فجرّت على نفسها إدانات دولية رسمية وتنديدات عالمية شعبية أكبر مما سبق... وكل هذا الموت زيت في آلة الحل السياسي، وعن أفقه لم يحد القرار 1860: دولتان لشعبين.. الخ!
الايام

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .