الثلاثاء، 6 يناير 2009

طلال عوكل: إذا كان الواقع واضحاً فكيف تبدو الصورة لاحقا؟








لليوم العاشر، تتواصل الحرب على قطاع غزة، وتشتد يوماً بعد الآخر، وتزداد ضراوة كلما مر المزيد من الوقت قبل ان يحقق الطرف الذي بادر اليها اهدافه او ان يفشل في تحقيقها.ومنذ البداية كان واضحاً ان الحرب الاسرائيلية، لن تتوقف عند حدود الدمار العظيم الذي تسبب به القصف الجوي والبحري المكثف، والاّ كانت نهايتها الفشل اذ لا يكفي ان تقوم آلة الحرب الاسرائيلية بتدمير البنية التحتية لمؤسسة الحكم ومؤسسات المجتمع وجزء ليس قليلاً من البنية التحتية للمقاومة.فخلال هذه المرحلة التي امتدت من صباح السبت 27/12/2008 إلى مساء السبت الماضي، لم يكن ما وقع على هوله ليحدث تبديلاً في المواقف لا السياسية ولا العملياتية، والاصل ان اسرائىل شنت هذه الحرب لكي تجري تغييراً في الوضع القائم في قطاع غزة، بالقدر الذي يضمن لبلداتها أمناً دائماً وراسخاً ومضموناً.لا يعني هذا ان اسرائيل تستهدف انهاء سيطرة حركة حماس على قطاع غزة، فهي من واقع حرصها على استمرار حالة الانقسام الفلسطيني وفصل قطاع غزة، ترغب في استدعاء وقائع صعبة، تؤدي إلى تحقيق اهدافها بحماس موجودة، ولكن أيضاً بانهاء سيطرة حماس على غزة اذا لزم الأمر.على ارض الواقع وحتى الآن لا تبدي حماس ليونة أو استعداداً للتنازل رغم ان الضربات الجوية، أوقعت ما يزيد على أربعمائة وستين شهيداً ونحو الفين واربعمائة جريح بالاضافة إلى الخسائر التي قدرتها بعض الجهات بنحو مليار دولار.تدرك حركة حماس ان تراخيها سياسياً في التعامل مع المتطلبات والاهداف الاسرائيلية، او مع ما يجري تداوله على مسرح التحركات السياسية الاقليمية والدولية، لن يكون له اية جدوى فاسرائيل ستواصل ما خططت له، وهي لا تقبل سوى ضمانات ملموسة على ارض الواقع تمنع حماس وغير حماس اليوم وغداً، من ان تهدد أمن اسرائيل.من الواضح ان الحكومة الاسرائيلية قد استفادت من دروس حربها الفاشلة على لبنان في تموز 2006، ولكن المقاومة ايضاً استفادت من دروس الماضي، فعززت من قدراتها التدريبية وجاهزيتها القتالية، ووسائلها على نحو يجعل الاشتباك قوياً، ومكلفاً، ومقابل وحشية العدوان الاسرائيلي واستخدام كافة الوسائل الجوية والبحرية والبرية، وحشد عشرات الآلاف من الجنود، فان ثمة ارتقاء في قدرة المقاتلين الفلسطينيين على التصدي، ومواصلة اطلاق الصواريخ حتى في ظل السيطرة الجوية الدائمة والكاملة. ففي اليوم الثاني من ايام العدوان البري، تمكنت فصائل المقاومة من اطلاق اكثر من اربعين صاروخاً، وخلال معارك الاربع والعشرين ساعة الاولى تكبدت القوات الاسرائيلية نحو اربعين جندياً بين قتيل وجريح، وهو عدد كبير قياساً بما كانت تتكبده القوات الاسرائيلية خلال توغلاتها السابقة في القطاع.على المستوى السياسي يقابل ثبات موقف حماس ومواقف الفصائل عناد اسرائىلي واضح، ذلك ان الفشل سيعني هذه المرة، سقوطاً تاريخياً واكيداً لاحزاب تاريخية مثل حزب العمل الذي يقوده باراك، وسقوطاً لقيادات كثيرة تشكل اليوم أعمدة الحكومة الاسرائيلية. تجنباً للفشل يهبط الناطق باسم الجيش الاسرائيلي بحجم التوقعات الى حدود تقليص الهجمات الصاروخية الفلسطينية ولكن ليس وقفها مئة بالمئة، وفي الوقت ذاته لا يقف باراك عند اي من المحرمات، حتى لو أدت الحرب الى سقوط آلاف المواطنين الفلسطينيين وتدمير آلاف المنازل، والمؤسسات المدنية.في هذه الحرب تتحدث اسرائيل سياسياً بكل راحة، ودون ان تخشى اي اعتراضات جدية من المستوى الدولي والعربي فالعرب القوا بالمسؤولية على مجلس الأمن الدولي والمجتمع الدولي، وهذا المجتمع قد اظهر بالعموم تأييداً لاسرائيل. لقد فشل مجلس الأمن الدولي، امس في التوصل الى قرار بوقف فوري لاطلاق النار، وكان ذلك متوقعاً، فالولايات المتحدة لا تزال تصر على ان لاسرائيل الحق في الدفاع عن النفس، ومثلها رئاسة الاتحاد الاوروبي التشيكية التي اعتبرت الحرب البرية دفاعاً عن النفس.والحقيقة ان الفرص لتغيير مجرى الاحداث، قد ضاعت تماماً، وضاقت الى حدود كبيرة القدرة على الحركة السياسية، في هذا المجال تتحول مطالبة الدول العربية بعمل فاعل وجدي لوقف العدوان، او السلطة الفلسطينية لعمل ولاتخاذ مواقف ضاغطة على اسرائيل تحول كل ذلك، الى نداءات ناقدة، غاضبة وشاكية فلقد انتقل كل شيء الى الميدان وفي السياسة الى الوضع الدولي.اذا كان الأمر كذلك، فان اسرائيل تعمل ميدانياً على كسب الحرب ولديها كل الوقت لاتمام ذلك، قبل ان تنتقل القضية الى مجلس الأمن لكي يستثمر ما يجري على الارض، بقرارات سياسية لن تكون في مصلحة حماس او المقاومة ومن يقف في صفها.كيف تبدو السيناريوهات اللاحقة؟بعض المحللين استبعدوا ان تقوم اسرائىل بشن عدوانها البري الى ما بعد اليوم الاثنين، الذي كان مقرراً ان يعقد فيه مجلس الأمن لاتخاذ قرار كل المؤشرات تقول انه سيكون لمصلحة اسرائيل، الامر الذي سيضعها في موقع مريح او ستخوض حرباً برية تحت غطاء الامم المتحدة ولتنفيذ قرارها.على ان الحساب الاسرائيلي جاء مختلفاً فاسرائيل لا تستعجل القرار الدولي وهي تريد ان تحدث تغييراً ملموساً على أرض الواقع، حتى يشكل اساساً لقرار يتم اتخاذه من مجلس الأمن ربما تحت الفصل السابع.اسرائىل تسعى لاحتلال شريط حدودي واسع هذه المرة، وان تقطع أوصال قطاع غزة الى ثلاثة، حيث يتم تشديد الحصار من ناحية خارجية وايضاً من ناحية داخلية، ثم تقف لتقول: سأخرح من هنا لصالح قوات دولية على غرار قوات اليونيفيل في لبنان، يشكل وجودها الضمانة لعدم انطلاق الصواريخ الفلسطينية، ولعدم استمرار تهريب الاسلحة والوسائل القتالية للقطاع.في الوقت ذاته تواصل اسرائىل تدمير ما تبقى من بنية المقاومة في المناطق المعزولة بعضها عن بعض، فان استجابت حركة حماس لا بأس بذلك كخيار تفضله اسرائيل، والاّ فان الوضع سيكون معرضاً لتغيير شامل. واذا حاولنا تجنب الحكم على الاحداث، فشلاً لهذا او لذاك، او انتصاراً لهذا او لذاك، فان من المؤسف القول ان الانقسام الفلسطيني قد شكل واحداً من اخطر الاسباب او الذرائع التي وظفتها اسرائيل لاضعاف كل الاطراف الفلسطينية وان بوسائل وطرق مختلفة.
عن الايام

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .