السبت، 3 يناير 2009

بلال خبيز: حرب عالمية على بلد صغير

استعادة القرون الوسطى
هذه المقالة نُشرت في ملحق النهار في اثناء حرب تموز 2006 على لبنان. اللافت ان ما يجري اليوم في غزة هو نفسه ما جرى في لبنان في تلك الحرب، مثلما ان تصريحات قادة "حماس" ليست إلا نسخة عن تصريحات قادة حزب الله يومذاك. الأرجح ان غزة ستشهد انتصاراً مماثلاً للانتصار اللبناني. انتصار متكرر فوق الركام.
بدأ مشروع القرار الفرنسي – الاميركي الذي يدعو إلى وقف القتال في لبنان بين القوات الإسرائيلية ومقاتلي حزب الله يشق طريقه إلى اروقة مجلس الأمن. القرار الذي اخذ وقتاً طويلاً حتى تم التوافق عليه بدا في نهاية المطاف كما لو انه يعطي الفرصة لإسرائيل مرة ثانية لتحقيق اجماع دولي متجدد على مسارات خطتها التدميرية في لبنان. فبعد ما يقارب الشهر على بدء العمليات العسكرية في لبنان يبدو ان الخطة الإسرائيلية في طريقها إلى ان تتغذى بدم جديد. حيث ينتظر ان يرفض حزب الله تنفيذ القرار الدولي مما يجعل البلد عرضة مرة أخرى لهجوم اسرائيلي يدمر ما تبقى فيه واقفاً وعلى رمق، من البنية التحتية وصولاً إلى البنية الإجتماعية والسياسية.
في هذا المجال لا يبدو ان حزب الله في صدد التراجع عن اي موقف من مواقفه. فالحزب وقادته ما زالوا يقيسون الأنتصارات التي يحققونها بمقياس قدرة الحزب على اطلاق الصواريخ على شمال اسرائيل، في حين ان الحزب نفسه ولمن يتابع قناة "المنار" التابعة له، يقيس الهزيمة الإسرائيلية بناء على ردود فعل الاجتماع الإسرائيلي وليس بناء على ضعف قدرة الجيش الإسرائيلي على استعمال طائراته والفتك بلبنان من الجو. على هذا يرى بعض المتحمسين للإنتصارات التي يحققها حزب الله في الميدان ان تدمير الإجتماع اللبناني والعزلة السياسية التي يعاني منها البلد التي تسمح بتدمير بنيته طوال شهر كامل من دون ان يجد صوتاً فاعلاً في الأسرة الدولية يرد عنه غائلة هذا الهجوم الوحشي، لا تقعان في حساب الربح والخسارة. فالربح والخسارة اللذان يتحدث عنهما المحللون اللبنانيون والعرب الذين لا يغادرون الفضائيات هذه الأيام، لا يتصلان في ما يحل بالدولة اللبنانية من دمار ولا يجدان في تفكيك الإجتماع اللبناني اي اثر للخسارة. المهم ان المقاتلين ما زالوا يستطيعون احباط مخططات العدو الرامية إلى قتلهم. فالعدو حين يقتل يخطئ هدفه ولا يصيب المقاتلين بل يصيب المدنيين وحين يدمر لا يدمر التحصينات العسكرية بل يدمر بيوت القرويين وطرقات القرى والمدن. وتالياً ما زال علم الانتصار مرفوعاً وما زال المقاتلون يقاتلون. صحيح انهم يقاتلون على اشلاء قرى ومناطق برمتها لكنهم ما زالوا يقاتلون.
امام هذه الوقائع تجد الحكومة اللبنانية المتمسكة بمبادرة النقاط السبع التي طرحها الرئيس السنيورة نفسها في موقف حرج. فالمجتمع الدولي اليوم يستعد لاستصدار قرار يجيز تجديد الحرب إلى اجل غير مسمى، والحرب التي ابتدأت بوصفها رد فعل على خطف الجنديين الإسرائيليين ستصبح اليوم او غداً حرباً مشرعة ومشروعة وتستند إلى قرار من مجلس الأمن يرفض الجانب اللبناني تطبيقه. لكن الجانب اللبناني الذي لم يعد يملك ما يكفي من الوقود لتشغيل مولدات المستشفيات ما زال يستطيع القتال، ولن يركع. الجانب اللبناني الذي لا ينهزم ولا يركع بحسب تعبير رئيس الجمهورية الذي يكثر من طلاته المتلفزة هذه الاٍيام، يستطيع الصمود إلى ما شاء الله.
كانت الحرب التي تشنها اسرائيل قاسية قسوة لا مثيل لها من قبل ان تحصل على تشريع من مجلس الأمن يشرع حربها علينا، واليوم بعد حصولها على الحجة المناسبة وعلى التشريع اللازم وعلى الحشد الدولي الذي لا مثيل له، لا بد وانها ستبلغ اقسى درجات قسوتها، إلى حد يصعب معه على الدولة اللبنانية احتمالها. والحق ان تطويل امد هذه المعركة في حد ذاته سيجعل من قدرة لبنان على الصمود في مواجهتها، او ما تبقى من لبنان على الاصح، اقل واقل بمرور الأيام. البلد يعاني من حصار لا مثيل له على كافة الصعد وثمة نقص فادح في المواد الغذائية والحيوية، والمخزون المتبقي لن يكفي اللبنانيين لاكثر من اسبوع واحد، والمناطق قطعت اوصالها بحيث ان استمرار الحصار فقط سيعيد لبنان بلداً من القرون الوسطى وتتفشى فيه امراض انقرضت منذ زمن بعيد. ومنذ اليوم بدأت وزارة الصحة تبث اعلانات على التلفزيونات تحذر فيه من شرب المياه غير الموثوقة وترشد الناس إلى كيفية الوقاية من امراض كالجرب والجدري، وهذه اوبئة انقرضت في الاجتماع الحديث كما هو معروف. لكن الحصار الإسرائيلي المضروب على لبنان جعل من اللبنانيين عرضة لهذه الأمراض والأرجح ان الآتي اعظم.
ان يكون العالم كله متواطئاً على هذا الحصار امر يفوق طاقة اي بلد مهما كان كبيراً فكيف يستطيع لبنان ان ينجو ويخرج سالماً من هذا الحصار؟ الأرجح ان الخطة الدولية تقضي بأن تهدم لبنان على رؤوس اصحابه ومقاوميه على نحو ما، تماماً كما كان يفعل اباء الكنيسة في القرون الوسطى بالقرى التي يتحصن فيه الهراطقة، وعلى الركام الذي ينشأ من هذا الحصار قد يبنى لبنان الجديد.

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .