الاثنين، 12 يناير 2009

حسن منيمنة: خطأ "حماس" وخطيئة الثقافة العربية

يدمى القلب لرؤية الأجساد المتهاوية في غزّة المحاصرة الرازخة تحت وطأة آلة الحرب الإسرائيلية، ليس فقط الأطفال الذين حرمتهم الحرب حقّهم البديهي بالحياة، بل كافة أهل القطاع بمن فيهم رجال الشرطة وشباب المقاومة الذين كان من شأنهم أن يكونوا بُناة الغد في فلسطين التي تحتاج إلى جهود كافة أبنائها للنهوض من عواقب الاحتلال. والحكومة الإسرائيلية حكماً وطبعاً، هي المسؤولة أمام الرأي العام العالمي والقانون الدولي عن كل تجاوز ارتكبته قواتها، ولا سيما أنه لدى هذه القوات القدرات الواضحة لتجنب الكثير من الأذى الذي تصيب به القطاع وأهله. ولكن لا جدوى من التوقف عند هذا الحد من الاعتراض عمّا يجري، أو الإمعان بالاستهجان والتوعد بالثأر إزاء إسرائيل دون مراجعة ذاتية لأخطاء وتجاوزات تشاطر آلة الحرب الإسرائيلية مسؤوليتها في سيل الدماء الفلسطينية. ولا فائدة من التأجيل في هذه المراجعة إلى ما بعد انقضاء الأزمة، فتاريخنا أزمات متعاقبة.صــدق رئيـــس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة حين قال إن عــــدم معاقبة إسرائيل عمّـــا جرى في صيف ٢٠٠٦ في لبنان قد ساهــــم في تكرار المأساة في غزّة. ولكن هذا القول حقيقة منقوصــــة، ذلك أن السكوت عن مسؤولية حزب الله في الدمار الـــذي لحق بلبنــــان جراء تلك المواجهــــة العبثيـــة، قد هيأ الساحة بدوره لحماس كي تسلك مسلكا أفضى اليوم إلى خراب غزة.المقاومة حق طبيعي لأي مجتمع رازح تحت الاحتلال. وهذا التعريف يسقط إمكانية ادعاء حزب الله هذا الحق، فما تبقى من الاحتلال الإسرائيلي للبنان هو لمناطق حدودية غير مأهولة بمعظمها كان الأجدر بالحكومة اللبنانية، لولا الترهيب من حزب الله، أن تسعى إلى استردادها وفق الأطر الدولية المتوفرة، بدلاً من استرهان الحاضر والمستقبل اللبنانيين بحجة بناء ثقافة مقاومة لا تخدم الوطن بل تعرضه للمخاطر. أما في قطاع غزّة، والذي يبقى رغم الانسحاب الاستيطاني في قبضة القوة الإسرائيلية، فالمقاومة حق مشروع بإجماع دولي. ولكن أية مقاومة؟ فكما أنه من الحق الاعتراض على غياب التناسبية في التعامل الإسرائيلي مع غزّة، والذي يسعى فعلياً إلى تكريس معادلة مرفوضة جملة وتفصيلاً بأن منع الأذى عن الفرد الإسرائيلي الواحد يجوّز القضاء على المئات من الفلسطينيين، فإن من الواجب دعوة المقاومة الفلسطينية إلى الالتزام بمعايير صارمة في منهجها وأخلاقيتها. فالتصدي لجنود الاحتلال في القطاع حق لا يختلف فيه منصفان، أما قتل الأبرياء في العمق الإسرائيلي فليس مقاومة. ورمي الصواريخ على البلدات الإسرائيلية، بالإضافة إلى كونه مبادرة بالاعتداء، لا يحقق توازن رعب بقدر ما يعمّي الحق الفلسطيني الواضح للعيان، ويستنزف التأييد العالمي له. ولا يمكن في الآن نفسه التهليل لسقوط صواريخ القسّام على البلدات الإسرائيلية (والتي يسميها البعض مستوطنات، أو مستعمرات، أو حتى مغتصبات)، ثم اتهام العالم بالإفلاس الأخلاقي لسكوته عن ردة الفعل الإسرائيلية على هذا السقوط. ولا ينفع أن نشير إلى أن صواريخ القسّام لم تقتل إلا القلة القليلة فيما نحن نتوعد بأن الجيل المقبل منها سوف يفتك بالأخضر واليابس، وأن فلسطين التاريخية بمجملها هي هدفنا.وهنا يكمن أصل الإشكال. فإما أن مجتمعاتنا العربية، بما فيها المجتمع الفسطيني، ما زالت تسعى إلى القضاء على إسرائيل، وأن كلامنا عن مبادرة عربية وعملية سلمية مجرد تدليس وتضليل، وفي هذه الحالة كيف نعترض إذا جاءت ردود الفعل الإسرائيلية بجحم نوايانا لا بحجم أفعالنا غير المقتدرة، أم أننا قد قبلنا فعلاً بأن مستقبل مجتمعاتنا كافة، والمجتمع الفلسطيني تحديداً، يخدمه صلح صادق مع المجتمع الإسرائيلي القائم كحقيقة لا يمكن إنكارها، وأن المسألة اليوم هي فض الأمور العالقة، والبعض منها خطير، مع الإقرار بأن المسألة لم تعد حرب وجود، بل هي حرب حدود.سواء انطلقت قيادات الفصائل الفلسطينية في القطاع من مبدأ «لاضرر ولا ضرار» لتقييم جدوى الخط الذي اعتمدته في المرحلة السابقة، أو نظرت في ضرورة درء التشويه الذي يمكن أن يطال المقاومة المحقة نتيجة لممارسات مختلف عليها، فإن المسألة بعد أن تهاوى المئات من أهالي غزة لم تعد ترفاً فكرياً بل ضرورة ملحة. فليس انتصاراً أن تخرج حماس من المعركة على قيد الحياة، فالتاريخ قد أثبت تكراراً بأنه من المستحيل القضاء بقوة السلاح على الحركات الناشطة المترسخة، وليس انتصاراً الفضح المزعوم للطبيعة العدوانية لإسرائيل، ولا سيما أن ثمن هذا الفضح أرواح بريئة بالمئات. فذكرى الأذى الإسرائيلي سوف تتلاشى من الضمير العالمي بعد برهة، أما مأساة الأسر الفلسطينية التي فقدت أحباءها، فتبقى مستمرة.حمـــاس أخطأت، نهجاً وقيادة. ولكن الخطيئة الكبرى، بالإضافة إلـــى تـلك، تتحـــــمل تبعتها الأطراف الخارجية المستفيدة من معركة دموية توظّف للتعبئة والفرز، تقع على عاتق ثقافة عربية تخوض معركة نظرية مع عدو تجهد بتأصيله تاريخياً، بدماء هي اليوم وعلى الغالب فلسطينية. فالثقافة الإسرائيلية، دون شك، مفعمة بالأعباء التاريخية التي تجعل من انحدارها باتجاه السلوك المتغاضي عن حقوق الآخرين واقعاً متكرراً. وضحايا غزّة اليوم آخر الشهداء الشهود على هذا الحال، وللأسف قـــد لا يكونون الأخيرين. ومسؤولية الخروج من هذه الحلقة المفرغة تقع أساساً على الإسرائيليين أنفسهم. ولكن ذلك لا يبرر التردي في الثقافة العربية إزاء إسرائيل والتاريخ اليهودي، بما في ذلك رفض أخذ العلم بالمكانة المعنوية والدينية لفلسطين في الثقافة اليهودية، والإصرار على تصوير الإنسان في إسرائيل، لا السياسة الإسرائيلية وحسب، بصيغ شيطانية. فرفض الثقافة العربية تفهم مخاوف الآخر الإسرائيلي وحججه، والتفهم طبعاً ليس القبول التلقائي، والإصرار على إدراجه في خانة التاريخ الاستعماري السائر إلى زوال، قد لا يكون ذا أثر يذكر على الإنسان العربـــي عامة، ولكنه دون شك يساهم بقتل الإنسان الفلسطيني. ومـــع تكـــرار هـــذا القتل، تتكرر الحاجة إلى مساءلة ذاتية صادقة.
عن الحياة

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .