الثلاثاء، 6 يناير 2009

دومينيك اده: احلال الخداع محل القانون الدولي


ما الذي تتوخاه اسرائيل من عملية القصف المتجددة، "رصاص مصبوب"؟ حماية المواطنين الإسرائيليين؟. محو "حماس".؟ هل من برهان سابق أن عملية كهذه قد يكتب لها النجاح؟عملية "عناقيد الغضب"، مصحوبة بمجزرة قانا، في لبنان، عام 1996 أدت إلى تقوية شوكة حزب الله، وإلى إنسحاب الجيش الاسرائيلي من جنوب لبنان عام 2000. عملية "أسوار جنين"، في ربيع 2002، "الطريق الصلب"، من بعدها بشهرين؟. 2002 و2003 كانتا سنتان داميتان للمدنيين في اسرائيل: 293 قتيلاً. "قوس قزح"، في أيار 2004؟ "يوم التوبة"، بعدها بأربعة اشهر، في شمال قطاع غزة، والنتائج الكارثيّة ذاتها. اغتيال مسؤولي حماس وقادتها السياسيين بلا تردد، وتبنيّ السلطة الإسرائيلية لتلك العمليات؟ العمليات الانتحارية بلغت الذروة سنة 2005. وفي بداية السنة التالية، حصلت حماس على الأكثرية الساحقة في الانتخابات النيابية. حرب لبنان، سنة 2006، التي تأتىّ عنها بلد مسحوق واكثر من 1000 ضحية مدنية، منها 30% من الأطفال. هنا أيضاً، الدمار من أجل اللاشيء. والحصيلة: التبادل، في تموز 2008، بين جثتين هامدتين لجنديين اسرائيليين من جهة، مقابل خمسة معتقلين وعشرات الجثث اللبنانية والفلسطينية من الجهة الأخرى.ما الذي يجنيه قادة حماس جرّاء متابعة قصف اسرائيل بالصواريخ؟ لماذا هذا الإصرار على تسديد ضربات تنهال عليهم مُضاعفة بالمئات؟ أن تكون حركة مقاومة في وجه قوة محتلة مستعدة أن تخسر رجالاً لتكسب بعضاً من الأرض، فهذا جائزٌ.ولكن، ماذا عندما يكون ميزان القوى على ما هو عليه؟ عندما تكون كل طلقة صاروخ مصحوبة بطوفان من النار، عندما تكون العملية باهظة إلى هذا الحد من الخسائر البشرية، عقيمة إلى هذا الحد على المستوى السياسي، وإلى هذا الحد غير شعبية على الصعيد العالمي، فما جدوى هذا التصلّب؟صحيح أن حماس سُرق منها نصرها الانتخابي. صحيح أن حرمانها من السلطة الذي كاد أن يتفق عليه الجميع قد عزلها على نحو خطير. حتى أننا بتنا لا نعلم ما كانت لتؤول إليه الأمور لو اعتمدت حماس محاوراً. ويبقى: المعركة السياسية تتطلب الكثير من اليقظة والحنكة على قدر هول الصعوبة وانحسار الإمكانيات. وقد غاب الإثنان على نحو فظيع.لماذا يشعر أعضاء حماس بضرورة المزايدة الدائمة، رغم كلفة ذلك على سمعتهم وعلى حياة أبناء جلدتهم؟ لماذا تصرّ حماس على ألاّ ترى شيئاً من خوف الاسرائيليين على مستقبلهم؟ لماذا تؤثر أن تبقى غير مفهومة بدل أن تُفْهِمَ ما يجول في خاطرها؟ ماذا تجني حماس من تأجيل الإعتراف بإسرائيل؟ هل تُبقيها ورقة للمفاوضات المقبلة؟أو ليست حماس، عند وضعها على الطاولة لتلك الورقة، لتجني أوراقاً أخرى، واضعةً الحق في صلب الحديث؟ما الذي قدّمه رئيس السلطة الفلسطينية (محمود عباس) لشعبه من خلال خضوعه التام للسلطتين الأميركية والإسرائيلية؟ من تنازل إلى تنازل، ومن مصافحة أيدٍ إلى مصافحة تالية، لم يَجنِ شيئاً سوى إبقاء ذاته في السلطة. اختلط عليه الأمر ما بين الانفتاح والانسحاق. وضع لحمة شعبه في أهبة الخطر. في حين كان الفساد الذي أدّى بحزبه إلى خسارة الانتخابات يُستَتْبَعُ بلا حسيبِ. صوتٌ لقضية من ذهب، لقضية لا يعلوها شيء. لم ينجح عباس ورجاله كما لم تفلح "حماس" في إرساء خطاب متماسك. خطاب يكاد ان يكون جلياً واضحاً. خطاب يخلق حركة، يُحيي المخيّلة، يتعاطى برأس مرفوع ومن الندّ إلى الندّ مع الاسرائيليين. تاجروا بمحصول الإنتفاضة الأولى. استساغوا طعم العمالة والمفاوضات العقيمة التي تسطّر منذ نحو قرن الإنهيار السياسي في العالم العربي. ما الذي يجنيه النظام الأميركي من دعمه المطلق للسياسة الإسرائيلية؟ الإبقاء، حتماً، على علاقة فائقة التميّز مع حليف استراتيجي هو أيضاً الدولة الوحيدة (المعلنة) التي تملك القنبلة الذرية في الشرق الأوسط. ويبقى السؤال الأهم: ما الذي يجعل في حصاد السنوات الأربعين الأخيرة للسياسة الأميركية ـ الإسرائيلية ان تثق في خياراتها؟ هناك ثلاثة من محاور سياستهما الأساسية التي لم تنفكّ تبدي خطورة وعدم جدوى:
1. السعي إلى السيطرة السياسية عبر القوة العسكرية المطلقة. في العراق وفي الأراضي المحتلة، لم تنجح هذه المعادلة. ولا في 1991، خلال حرب الخليج الأولى، ولا حتى، عاماً بعد عام، في الضفة الغربية أو في غزة. ولا في العام 2006، في لبنان، ولا منذ خمس سنوات على انطلاق حرب الخليج الثانية.
2. خيار السيطرة عبر التقسيم الطائفي. بالإضافة إلى سياسة تجزئة الأراضي المحتلة، كل المؤشرات تدل على رغبة السلطة الاسرائيلية بإخراج كل من هم ليسوا يهودا من اسرائيل. وهي تبشّر بالتقسيم في كل مكان. وترمي إلى تجزئة المنطقة إلى أشلاء على عدد طوائفها. بذلك تكون غزة جزءاً من جزء من جزء. بتأييدها لسياسة التجزئة، الدينية في العمق، مع ما تحمل من مخاطر تطهير عرقيّ، تعرض الولايات المتحدة نفسها وتعرض العالم إلى أشنع السيناريوهات التي تودي بأن تكون المجتمعات المدنية، في كل مكان، مكرهةً ومرغمةً على الإنضمام إلى القافلة. كل كيان في مدينته، في حيه، في شارعه، في "الغيتو" الخاص به. هل من الضروري إبراز الشواهد لنُوقن أن نهاية الاختلاف والإختلاط هي تنظيم للموت؟
3. اللجوء إلى كل أنواع الخدع لتحل مكان الحق الدولي. باعتناق هذا الأسلوب، ضربت اتفاقية أوسلو السلام الذي كانت تنشده. كيف؟ بالإبقاء على المستوطنات كافة في الأراضي المحتلة.بمعاملتهم للفلسطينيين (للعرب عامة) باشمئزاز، لفرط ما يأبون التعامل إلاّ مع أولئك الذين يرزحون تحت نعالهم، ليسحبوا منهم التنازل تلو التنازل، لفرط ما يأثرون الحذاقة وقضم الأراضي جزءاً بعد جزء ـ قليل من القدس من هنا وشيء من الاستيطان من هناك ـ بذلك كلّه، ما الذي يجنيه الأقوياء؟ غضب الضعفاء؟ هزيمتهم؟ ما نشهده بانتظام مرعب ليس فقط تحويلاً تدريجياً لحالة يمكن التعامل معها إلى حالة متفجرة لا حول للسيطرة عليها، فإن بقيت اسرائيل والولايات المتحدة تصران على نكران الذل الموصوف ،واليأس القاتل الخطيرين للجميع، اللذين تجنيانهما سياستهما، فسيبقى هذا اليأس يتفشّى من بلد إلى بلد. وفي ظل هذا التصعيد سيكون كل يوم وزراً ثقيلاً، إن ظلّوا يرفضون أن يسألوا أنفسهم عن الدوافع التي جعلت رامي الحجارة في 1987 يتحوّل بعد سبع سنوات إلى قنبلة بشرية، فإن عدد الشباب الذين تناستهم الحياة سيزداد عند طلب الموت.لماذا لا نقول الأشياء بوضوح؟ إذا كانت الولايات المتحدة واسرائيل مجتمعتين لم تفلحا إلى يومنا هذا في حماية مستقبل إسرائيل، فهذا يعني أنّ أساليبهما لم تكن ناجعة. وإن هما لم يغيّرا بها شيئاً، فستبقى غزة، السجن الجهنمي، الإشارة الطليعية إلى ما قد يكون عليه غدنا وغدهم.
عن لوموند

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .