الاثنين، 12 يناير 2009

بلال خبيز: احتلالان

ما هي النار التي يريد القرار 1860 ايقافها؟ ولماذا ترى حركة "حماس" نفسها غير معنية بها؟ يقال جهراً وسراً، وهنا وهناك، ان حركة "حماس" غير معنية بالقرار، لأنها اصلاً لا تطلق النار. النار هي اسرائيلية اولاً وآخراً. صواريخ القسام تشبه صواريخ القيادة العامة، ذات تأثير محدود، ولا تجر اسرائيل إلى حرب على جبهتها الشمالية. ابلغ ما في رسالة الصواريخ الجنوبية ليس ما اراد مرسلوها تبليغه. ابلغ ما فيها انها اثبتت ان الصواريخ المحدودة العدد والقدرة والمدى، والقديمة الطراز، لا تستوجب رداً اسرائيلياً عنيفاً كالذي ترد به في غزة. المسألة ليست في الاحصاءات التي تجريها الصحافة الإسرائيلية في ما يتعلق بعدد الصواريخ الحمساوية التي انطلقت إلى الداخل الإسرائيلي في فترة التهدئة، وفي الفترة التي اعقبت اعلان خالد مشعل، من دمشق، انهاء العمل باتفاق التهدئة من جانب واحد. حركة "حماس" اعلنت انهاء العمل باتفاق التهدئة واسرائيل تمسكت بالاتفاق، اقله هذا ما بدا واضحاً في الأيام التي اعقبت تصريح مشعل من دمشق. لكن هذا يصح فقط في المؤتمرات الصحافية. في الواقع، اسرائيل تقصف وتقتل وتشرد و"حماس" تختبئ. ثمة مخابئ حصينة اعدت سلفاً في غزة لكنها لا تتسع لكل الشعب الفلسطيني، انها بالكاد تتسع لقادة حركة "حماس". في المؤتمرات الصحافية، حركة "حماس" تكبد العدو خسائر فادحة: في الأرواح؟ قطعاً لا. إذاً هي تكبدها خسائر في السمعة، او هكذا يحسب قادة "حماس" ومن وراءهم. النتيجة: يموت الفلسطيني وتتلطخ سمعة اسرائيل. النار تحرق على جانب واحد في هذه الحرب. والسمعة كذلك. إذاً لماذا يفترض ان تكون حركة "حماس" معنية بقرار دولي لوقف النار؟ لا سبب يدعوها إلى ذلك. لقد دخلت اسرائيل الفخ برجليها، هي اشعلت النار وهي من يتوجب عليه اطفائها. الصور التي تبثها شاشات التلفزيونات عن غزة تشبه العار. عار البشرية مجتمعة. المرء وهو يشاهد صور الموت والخوف وقلة الحيلة، يخشى ان تضعه الظروف، لأي سبب من الأسباب، في موقع القاتل، وليس في موقع الضحية. على العكس، يتضامن العالم مع الضحية إلى حد الاستعداد للتماهي معها. اسرائيل هي من يخشى صورتها. انما ماذا عن "حماس"؟ لماذا ترفض رفع سيف الموت عن عنق الشعب الفلسطيني؟ فقط لأن احداً لم يستشرها في القرار؟ اسرائيل ايضاً لم تستشر في القرار، وهذا حديث طويل. لكن "حماس" في ما يبدو تريد الإيحاء، مستفيدة من غلو اسرائيلي في القسوة والولوغ في الدم، انها تحتكر النطق باسم الشعب الفلسطيني ومصالحه: افتحوا المعابر، واوقفوا الحصار، ويمكننا ان نكف عن الموت امام الشاشات. لكن هذا الطموح غير قابل للصمود اصلاً. ما الذي يمنع اسرائيل مرة اخرى من ارتكاب المجزرة تلو المجزرة؟ ليس سلوك "حماس" السياسي قطعاً. ولا الحق في المقاومة الذي دخل على قاموس القوى السياسية دخول الخديج، في وقت مستقطع بين مرحلتين. الحق في التحرر والعيش ضمن دولة مستقلة هو الحق المقدس، وليس الحق في المقاومة. المقاومة وسيلة من الوسائل المشروعة لإحقاق هذا الحق. انما ما لنا وللسجال مع من لا يعرف لغة غير لغة التخوين. هل يجدر بنا ان نتذكر ان بعض دعاة الحق المقدس في المقاومة رأوا في الصواريخ التي اكتشفت قبل اطلاقها في جنوب لبنان صواريخ مشبوهة؟ إذا كان الحق في المقاومة مقدساً، فكيف يكون الصاروخ المعد للانطلاق إلى ارض العدو مشبوهاً؟ ايضاً ليس ثمة حاجة للسجال مع هذا المنطق. ثمة اناس لا يسمعون غير رنة اصواتهم في لبنان وفي فلسطين على حد سواء. مرة أخرى، ايضاً، تريد اسرائيل اتفاقاً شبيهاً بالاتفاق الذي انهى الحرب على لبنان. وحركة "حماس" ترى في مثل هذا الاتفاق نصراً اسرائيلياً لم يتحقق في الميدان. لا احد يعرف كيف يمكن ان يكون النصر اسرائيلياً، ولا احد يعرف كيف تكون الهزيمة "حماسياً". مع ذلك يجدر بالمرء ان يذكّر الذين استفاقوا بعد عامين على الإنجاز الذي حققته اسرائيل في حربها ضد لبنان، واكتشفوا ان لا نصر إلهياً ولا بشرياً قد تحقق، وان اسرائيل حققت ما كانت تريد تحقيقه في هذه الحرب انهم خونوا اكثر من نصف الشعب اللبناني لأن نصف هذا الشعب اطلق صرخة الوجع في تلك الحرب، وبعضهم بكى الضحايا علناً. حسناً نحن نعرف ان الدموع ممنوعة. هكذا تريدنا "حماس" ان نفهم. الحرب التي تخوضها في غزة هي بالضبط حرب انتظار القاتل حتى يسأم من القتل. في الأثناء على قادة المقاومة ان لا تدمع اعينهم على الضحايا. هل ننتظر ان تفور دمعة تسيبي ليفني في محجريها، لعل دمعتها تسرّع في حقن الدماء؟ حركة "حماس" وهذا شأن مقاومات اليوم كافة، ورثت على الأرجح تاريخاً من الدم الفلسطيني، والعربي استطراداً، المراق في حروب متتالية. الأنظمة اراقت دماء عربية في حروبها مع اسرائيل، والمقاومة الفلسطينية اراقت ايضاً دماء في حروبها مع اسرائيل. حزب الله ايضاً والمقاومة الوطنية اللبنانية من قبل. دائماً كان الدم العربي ارخص من دم الإسرائيلي في تلك الحروب. حركة "حماس" لا ترى ضيراً من شلال دم جديد باسمها هذه المرة. المتباكون على اراقة الدم الفلسطيني هم انفسهم اراقوا دماً فلسطينياً من قبل. على ماذا يتباكون؟ ولماذا اصبح الدم الفلسطيني عزيزاً إلى هذا الحد حين حان دور "حماس" لاحتلال القضية الفلسطينية؟ احتلال القضية يستحق بذل الدماء. اسرائيل تبذل من دم جنودها لاحتلال الأرض، وليس خافياً على احد ان احتلال القضية اهم من احتلال الأرض. إذاً لا يجدر بالسلطة الفلسطينية في رام الله ان تسعى لحقن الدم الفلسطيني في غزة، هذا الدم ليس دمها، انه دم القضية التي تريد "حماس" احتلالها. اما الناس فلطالما كانوا وقوداً للقضايا.
موقع المستقبل

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .