السبت، 30 أغسطس 2008

عن "ايلاف"

Persona non grata
بلال خبيز

تظاهر عشرات من "المواطنين" اللبنانيين في شمال لبنان احتجاجاً على انقطاع التيار الكهربائي، وحدة التقنين في ساعات التغذية. وعلى جاري عادة اللبنانيين في الاحتجاجات قطع هؤلاء الطرقات بإطارات السيارات المشتعلة وهزجوا امام الكاميرات. عجباً!
مصدر العجب ان العارفين بطبيعة لبنان الديموغرافية يعرفون ان المحتجين اليوم على نظام التغذية الكهربائية هم من السنة، وان الإطارات التي احرقوها لم تأت من مخازن حزب الله. لكنهم امام الكاميرات يشبهون جمهور "اشرف الناس"، ويسلكون بعض سلوكاتهم وطبعاً بعض مسالكهم. مع ذلك يجدر بالمراقبين ان بتفكروا قليلاً، ما دام الشغب بالشغب يذكر، لماذا اقلع "اشرف الناس" وجمهور المقاومة عن التظاهر اجتجاجاً على انقطاع التيار الكهربائي؟ هل استجابت حكومة فؤاد السنيورة التي كانت عميلة وفاقدة للشرعية، لمطالبهم فغذت مناطقهم بالتيار الكهربائي وقطعتها عن مناطق الشمال، وبات الشيعة في لبنان يعيشون نعيم الكهرباء التي لا تنقطع؟ ربما!
وربما ايضاً كان لإسناد حقيبة وزارة الموارد المائية والكهربائية للوزير محمد فنيش، وهو نائب حزب الله في البرلمان اللبناني، في حكومة فؤاد السنيورة العميلة والفاقدة للشرعية تمييزاً لها عن الحكومة التي يرأسها حالياً، قد اثمر تحسناً في انتاج الطاقة الكهربائية، ولم يعد ثمة غير القليل مما يتطلب انجازه لتشعشع الكهرباء في كل لبنان وفي مناطقه كافة، خصوصاً ونحن على ابواب شهر رمضان الفضيل. وهو لذلك لم يشأ ان يتحمل مسؤولية هذه الوزارة مرة اخرى، فلقد انجز ما يفترض به انجازه ويجدر به ان ينتقل إلى وزارة اخرى لينجز فيها ما تم انجازه في الوزارة السابقة. ايضاً، ربما.
وربما ان جمهور المقاومة، بعد تزايد التهديدات الإسرائيلية للبنان، فضل العيش في العتمة لئلا تكشفه طائرات الاستطلاع الإسرائيلية في حال الحرب. او ربما ان معظمهم عاد إلى الخنادق يرابط على الجبهات توخياً لصد الهجوم الإسرائيلي ان وقع، ولم يعد ثمة بينهم من يرى في اشعال الاطارات في الشوارع تلك المهمة الجليلة التي تتطلب منهم بذل الجهد لأجلها، فتركوها للشبان السنة الذين هم قاعدون عن القتال وليس ثمة تدريب واستعداد لمواجهة اسرائيل يشغل اوقاتهم ولا من يحزنون.
هذه كلها احتمالات لبنانية قائمة. لكن الاحتمالات في لبنان لا تحصى. والأرجح ان كثرتها تخفي الحقائق خلف غابة الترجيحات والاحتمالات.
خلاصة القول، انه وحتى امد غير معروف، لم يعد الشيعة في لبنان محرومين، على الأقل في ما يتعلق بحصتهم من الكهرباء الرسمية. وانهم اقلعوا عن تحدي الحكومة والاعتراض على سياساتها في هذا الميدان، وانتقلوا بعدما بات لبنان قوياً ومنيعاً، بمقاومته طبعاً، إلى الاستعداد للحرب المقبلة. اما السنة الذين استفاقوا فجأة على العتمة التي تلف مناطقهم في الشمال والبقاع، فلم يسعهم إلا ان يتبعوا طريق حزب الله التي سلكها من قبل. إذ يبدو ان اشعال الإطارات وقطع الطرقات هو الطريق الأسلم للوصول إلى الاعتراف بشرعية سلاحهم. ولا بأس بين الفينة والفينة إذا تعرض الجيش اللبناني لبعض الاعتداءات التي يراد منها ان تثبت له انه لا يعسكر بين اهله، وان دوره، كان ولا يزال محصوراً في خطوط التماس بين الطوائف الكبرى، ولا يحق له العسكرة في المناطق التي يفترض اهلها انها محسومة الولاء لهم.
هكذا تتواتر الحوادث التي تطاول الجيش: انفجار عبوة من هنا، ورمي قنبلة يدوية من هناك، واسقاط طوافة للجيش هنالك. بحيث يصبح الجيش عملياً هو الطرف غير المرغوب في وجوده في اي مكان.
وبالحديث عن موضوع طوافة الغازيل، يجدر بنا حقاً ان لا نستبق نتائج التحقيق. خصوصاً ان حزب الله سلم احد المسؤولين عن اطلاق النار عليها. لكن نتائج هذه الحادثة العملية والموضوعية اثبتت ان تواجد الجيش في هذه المنطقة، لا يمكن له ان يستمر او يترسخ من دون موافقة حزب الله. وان الأمر مرتبط اولاً واخيراً على ما صرح نائب الامين العام لحزب الله، بحجم الثقة التي يوليها حزب الله للجيش قيادة وضباطاً وافراداً. فما دامت الثقة موجودة يجدر بنا ان نرد الحوادث المماثلة إلى الخطأ او القضاء والقدر، ولو ان الثقة تزعزعت لبات الجيش اعجز من ان يحافظ على قواعده هناك.
الحال هي الحال. والقاهرة التي ترى وضعاً مقلقاً في طرابلس تقترح تدريب الجيش اللبناني والقوى الامنية. هل ما ينقص هذا الجيش فعلاً هو حسن التدريب؟

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .