الأربعاء، 6 أغسطس 2008

قميص عماد مغنية

بلال خبيز

نشرت صحيفة الغارديان البريطانية ما يفيد ان اغتيال العميد السوري محمد سليمان يتصل بسياسة تصفية الحسابات بين القوى المؤثرة في سوريا على خلفية اغتيال عماد مغنية، صانع حزب الله، في دمشق في شهر فبراير الماضي. من جهة ثانية حذرت اسرائيل رعاياها في دول غرب افريقيا من عمليات امنية قد ينفذها حزب الله ضدهم انتقاماً لمقتل عماد مغنية. وعلى الأثر بدأت السفارات الإسرائيلية والبعثات الدبلوماسية المقيمة في هذه الدول، إجلاء الرعايا الإسرائيليين منها، والذين يقدر عددهم بالمئات.
اما لماذا تختار اسرائيل وسوريا معاً هذه اللحظة بالذات للحذر من تبعات اغتيال عماد مغنية، فبعض علمه عند استخبارات البلدين. لكن بعض مظاهره تشي بنوع آخر من الاحتمالات السوداء الماكرة.
ليس من قبيل الصدف المزعجة ان تتوالى هذه الحوادث المتفرقة والعميقة الدلالة في اللحظة التي اقفلت فيها ايران ابوابها امام اي حل دبلوماسي عملياً. ليس من قبيل الصدفة ايضاً ان تحذر اسرائيل المجتمع الدولي من خطورة امتلاك حزب الله منظومة دفاع جوي روسية متقدمة، وان تتزامن هذه الصدفة مع اعلان وزير دفاع اسرائيل ايهود باراك نعي القرار 1701 في اللحظة التي يهم رئيس وزرائه بمغادرة منصبه واعتزال العمل السياسي. وهذه الرغبة بالاعتزال ردها بعض المراقبين إلى رغبة ايهود اولمرت في عدم التورط مرة اخرى في حرب جديدة مع حزب الله او ايران او سوريا، الامر الذي لا يمكن احتماله خلال ولاية واحدة. وتالياً افساح المجال امام رئيس حكومة جديد مستعد للمغامرة في حرب جديدة قد تكون كلفتها هذه المرة مرتفعة وباهظة.
حيال هذه النذر السوداء كلها، يستحضر عماد مغنية من جديد، ليشكل حجة مناسبة لمن يريد ان يشعل فتيل الحرب. والأرجح ان الإجراء الإسرائيلي في دول غرب افريقيا يصب في هذه الدلتا المتشعبة من الخيارات. فالإسرائيليون في هذه الدول ليسوا زواراً طارئين، كذلك فإن المواطنين اللبنانيين الموالين لحزب الله فيها ليسوا طارئين. ورغم ان اسرائيل تسوق حججاً لتسويق قرارها، تتعلق بنفوذ اللبنانيين في تلك الدول، إلى حد ان بعض وسائل اعلامها تسمي مجموعة دول غرب افريقيا "دول حزب الله". إلا ان امر اشعال حرب ميدانها العالم كله، على ما وعد امين عام حزب الله اثر اغتيال مغنية في دمشق، ليس امراً لوجستياً فحسب. بل ان حزب الله وقادته يعرفون جيداً مخاطر اشعال مثل هذه الحرب، ويحسبون لها الف حساب.
لذلك يجدر بنا ان نتذكر ان مثل هذه الحوادث لا تقع من دون تخطيط مسبق في السياسة اولاً. وان حزب الله لن يقدم على تنفيذ عملية من هذا القبيل ما لم يكن قد اتخذ قراراً مسبقاً بتحمل تبعاتها والتي قد لا تكون اقل من اشعال حرب قد تصل شظاياها إلى معظم افريقيا وشطر واسع من آسيا.
قد ينفذ حزب الله عملية ما استجابة لمصلحة ايرانية ملحة. لكن الناظر في المقلب الآخر لا بد وان يلاحظ ان من لا يكف عن تسويق فكرة الحرب على ايران والتحذير من مخاطر البرنامج النووي الإيراني هو اسرائيل نفسها. واغلب الظن ان الدولة العبرية اتخذت قراراً بترحيل رعاياها من هذه الدول تحضيراً لقيامها بمهاجمة ايران وحزب الله دفعة واحدة، مستخدمة لتبرير مثل هذه الحرب زلة لسان سياسية، وجاعلة من اعلان امين عام حزب الله السيد حسن نصرالله الحرب المفتوحة على اسرائيل، حجتها في اشعال حرب هي من دون شك الاعنف في تاريخ المنطقة. واسطع دليل على مدى عنفها ان ميدانها اتسع وتمدد نحو غرب افريقيا من قبل ان تطلق الطلقة الأولى.
امام هذه الاخطار التي تدهم المنطقة برمتها تظهر الدول العربية في موقع من لا يملك في مصيره رأياً ولا قولاً. فالحرب ان حصلت سيتسع ميدانها من العراق العربي إلى معظم الخليج العربي مروراً بفلسطين العربية وسوريا ولبنان العربيين، والله اعلم. وعلى نحو ما تبدي دول حزب الله في غرب افريقيا عجزها عن التحوط لدرء مخاطر هذه الحرب التي لا ناقة لها فيها ولا جمل، تبدو الدول العربية هذه المرة كما لو انها تحولت ساحة لحروب الآخرين.
بالمناسبة: لماذا لم تنشر السلطات السورية نتائج التحقيق في اغتيال مغنية حتى الآن؟ ام ان نشر نتائج التحقيق نفسها قد يكون حجة للحرب التالية؟

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .