الثلاثاء، 12 أغسطس 2008

هزم البلد وانتصرت القضية

هزم البلد وانتصرت القضية

بلال خبيز

خرج سمير القنطار من سجنه الطويل. خرج وما زال في ثياب الميدان. يريد ان يثبت ان القضية التي سجن لأجلها ما زالت تستحق تكرار التجربة المرة. تجربة الأسر والتعذيب. وهو في الحقيقة لا يحتاج إلى كبير جهد ليثبت ما يود اثباته. فحرارة هذه القضية تنتقل من جيل إلى جيل. والثابت في تجربة الرجل ومعاناته، انه ذهب إلى السجن عضواً ناشطاً في حزب سياسي – عسكري، وخرج منه عضواً في حزب آخر. الأحزاب تتغير وتتبدل، لكن القضية تبقى على حرارتها.
ليس سمير القنطار وحيداً في مذهبه هذا، ولا متفرداً في ما يعتقده ويجدد اعتقاده. الحزب الذي كانت له اليد الطولى في تحريره من الأسر تكونت نواته الأولى من ناشطين في احزاب أخرى. بعض هذه الاحزاب بلغ سن التقاعد القانوني، وبعضها اوقفت تصاريف القضية خفقان قلبه، وبعضها الآخر ما زال حياً إلى حين. وليستمر حياً تلون بكل لون وتمذهب بكل مذهب، فقارع ابطال الفضية اياها زمناً وناصبهم عداء مستحكماً، ودافع عنهم ازماناً اخرى، وليتمكن من النجاة كل مرة، كان يتلون مع ما يعتقد انه اللون الذي سيسود ويتحكم.
مقاتلو زمن حرية القنطار التي سبقت اسره كانوا متعددي المشارب. لكنهم في غالبهم الأعم كانوا يصدرون عن مبادئ وافكار كانت يومذاك رائجة في دنيا العرب، وفي العالم على حد سواء. وكثيراً ما بذلوا دماً في سبيل نصرة مبادئهم. ذلك ان النضال في بلاد كالتي نحن منها، يتوجه دائماً بوجهين على الأقل. ثمة الصراع، مسلحاً او غير مسلح، ضد المشروع الإسرائيلي ومن يواليه من وجه اول. وثمة الصراع ضد السلطان المحلي، بهدف نقل البلاد التي نحن منها من عالم الظلمة إلى عالم النور. هكذا تعاقب على القتال ضد المشروع الإسرائيلي مناضلون من كل لون. وكان ثمة دائماً من يقترح على المجتمعات الاجتماعية والسياسية افكاراً للاهتداء بها ونظريات للتطبيق، من الماركسية إلى الفكر القومي العربي، مروراً بكافة الأفكار القومية الأقل شأناً وتطلباً، وصولاً إلى الاصوليات الإسلامية. وكل طرف من هؤلاء حمل افكاراً وحاجج من اجل اقناع الناس بها وتجنيد المناضلين في سبيلها. وكثيراً ما تبادلت الاطراف المتصارعة تهم التخوين في ما بينها. إلى حد ان معارك التخوين بين الأشقاء كانت تبدو في بعض الاحيان اعنف واشد شراسة من وقائع النزال مع العدو الإسرائيلي. وربما يكون مثل احداث غزة الاخيرة واضطرار بعض مقاتلي حركة فتح ومسؤوليها إلى الهرب نحو العدو طمعاً بالنجاة من نار الشقيق قاطع الوضوح في سياقه هذا.
إذاً عاد سمير القنطار إلى بلده واحبائه، ووجد وجهاً من وجهي النضال الذي انخرط في مندرجاته حياً ومنتصراً. لكنه على الارجح لم يجد من رفاق الأمس الذي كان يقاتل معهم يوم اعتقل وسجن، من يستطيع تنظيم استقبال حاشد له، يجعله يشعر ان سنوات السجن لم تذهب هباء ولم ينفقها سدى. وهذا والحق يقال اصاب الكثيرين غيره ممن سبقوه إلى التحرر من الأسر. إذ لم يكن متيسراً للمناضلين الذين اعتقلوا في سجون اسرائيلية ان يتم استقبالهم حين تم تحريرهم بالحفاوة التي استقبل بها القنطار. بعضهم خرج من المعتقلات الإسرائيلية في الوقت الذي كانت فيه حروب الاخوة في بلده حارة إلى حد مكن هؤلاء الاخوة من نسيان الأسرى المحررين. وبعضهم ايضاً لم يجد من يهديه زياً عسكرياً او يسمح له باعتلاء منبر، ليبس لنقص في الفصاحة بل لنقص في الشروط التي تسمح له باعتلاء منبر.
على هذا، يمكن لنا ان نتفكر ملياً في معنى ان يخرج القنطار في هذا الوقت بالذات. فلو انه خرج في وقت غير ملائم، وما اكثر الاوقات غير الملائمة لمن كان مثله، لوجد نفسه في خانة المهمشين الذين يجهدون للاختفاء بين الحشود ولا ينجحون، لأن الحشود تعتبرهم دخلاء ومتطفلين.
من سوء حظنا في البلاد التي نحن منها، ان نجبر على المرابطة في جبهتين ساخنتين على الأقل. جبهة داخلية واخرى خارجية. وما ان نغلب هدفاً على آخر، وكلاهما ملح. حتى يتهمنا البعض بالتخاذل والخيانة. فمن يقدم معركة الداخل على الخارج يصبح خائناً للقضية، ومن يقدم معركة الخارج على الداخل يخون البلد الذي هو منه. اما توخي العدل والانصاف بين وجهي القضية والنضال، فامر ما زال مستعصياً على مناضلينا وسياسيينا وقادتنا الذين نفديهم بدمائنا.

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .