السبت، 30 أغسطس 2008

حيي على الصلاة

حيي على الصلاة

بلال خبيز

"هناك وضع في طرابلس يقلق مصر". بهذه الجملة الصريحة عبر وزير الخارجية المصرية احمد ابو الغيط عن قلق مصر حيال ما يجري في لبنان. والحق ان القلق المصري من تحصيل الحواصل. ذلك ان الوضع في طرابلس لا يقلق مصر وحسب، بل يقلق لبنان اولاً واساساًَ، ويقلق الممكلة العربية السعودية ايضاً، والأرجح ان بعض امارات وممالك الخليج العربي تتحسس جلدها وهي تشاهد بأم العين كيف يمكن ان تنهار الدول الصغيرة دفعة واحدة، او على دفعات.
هناك وضع في لبنان يقلق مصر. لم يعد لبنان رفيق منامات الرئيس جورج دبليو بوش، ولا التزام الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ووزير خارجيته برنار كوشنير الأخلاقي والمبدأي. لم يبق لنا غير مصر، وبعض الأخوة العرب يقلقون علينا. فما جرى خلال السنوات الماضية على الساحة اللبنانية وحولها جعل من لبنان ساحة تفصيلية تحوط بها القضايا الكبيرة. ديموقراطية لبنان الناشئة، على ما يحلو لجورج بوش القول، ليست لها الاهمية نفسها التي تملكها مفاوضات السلام السورية – الإسرائيلية. الرئيس عنده حق: لا حرب ضد اسرائيل من دون مصر ولا سلم من دون سوريا. وحيث ان مصر عقدت سلماً، واقلعت عن الحروب، فينبغي، ليصبح السلم المصري سلماً وليس مجرد ورقة ان ترعاه سوريا مرة اخرى.
والعلاقات التاريخية بين لبنان وفرنسا ليست بالأهمية نفسها التي يملكها التهديد الإيراني لدول المنطقة ناهيك بالتهديد الروسي لأوروبا المتراخية، وهذا حديث كمثل حديث الأفاعي طويل ومشوق ومخيف. لبنان ليس اهم من ايران قطعاً، ذلك انه اولاً يبدي استعداده لفداء الجمهورية الإسلامية في ايران بروح البلد ودمه. وثانياً لأن لبنان محكوماً باليد الغليظة لحزب الله والمخابرات السورية لا يشكل خطراً على اوروبا والعالم والديموقراطية وحقوق الانسان وحق الشعوب في تقرير مصيرها، مثلما يفعل البرنامج النووي الإيراني مهدداً سلم العالم وامنه. الرئيس ساركوزي ايضاً معه حق. اللبنانيون انفسهم يعرفون ذلك جيداً، وفضلاً عن معرفة اللبنانيين هذه، لا بأس من التذكير ان لبنان يستطيع ان يحتمل ردحاً اضافياً من الزمن تحت هيمنة الفوضى. لا بأس بذلك هو لم يتعاف منها اصلاً.
اسرائيل ايضاً لا ترى عيباً في حكم سوري للبنان او ايراني، شريطة ان تكون حدودها محمية وليس ثمة من يعتدي على اراضيها. اسرائيل تحب اعداءها وتعمل من اجل مصلحتهم، وتكره حلفاءها. لطالما ردد حزب الله والنظام السوري ان حكومة فؤاد السنيورة وقوى 14 مارس مجتمعة هي قوى عميلة للأميركان والصهاينة. حسناً، لكن اسرائيل لا تحب العملاء، ولذلك هي تدافع ما اوتيت من قوة وحجة عن بقاء النظام السوري في موقعه حاكماً سعيداً في لبنان وسوريا. بل انها فتحت للنظام نافذة كسرت جدار العزلة التي كانت مفروضة عليه، وبات يتنسم من الجدار الإسرائيلي هواء العلاقات الدولية والإقليمية.
النظام السوري ايضاً لا يحب اللبنانيين الجاحدين، وهو ان قرر هذه المرة العودة إلى لبنان فسيشترط تذلل جميع الاطراف لا مجرد موافقتهم على دعوته. والحال ثمة رائحة عفنة في طرابلس ويجدر بها ان تمتد إلى كل مكان من لبنان.
يبقى ان مصر قلقة على لبنان. يجب على اللبنانيين ان يشكروا مصر. وهي كما قال الوزير المصري تمتلك قدرات على تدريب الجيش اللبناني والقوى الأمنية. حسناً لكن الوزير يعرف ونحن نعرف ان ما ينقص الجيش اللبناني ليس التدريب، وليس التسلح على شحة موارد الجيش اللبناني. ما ينقصه هو الاجتماع المتماسك الذي يحميه. الاجتماع الذي يسمح للجيش كمؤسسة ان يعين قائداً للجيش خلفاً للرئيس ميشيل سليمان من دون فيتوات طائفية ومناطقية. مع ذلك يجدر بنا ان نستفيد من خبرة مصر في مجال الأمن والقوات المسلحة. لا بأس بذلك في اي حال.
هناك وضع في طرابلس يقلق مصر. هناك وضع في لبنان يقلق مصر. والحق ان الوضع في طرابلس اكثر من مقلق، وان الوضع في لبنان على شفا كارثة. مع ذلك يحق للبنانيين القول ايضاً: هناك وضع في مصر يقلق لبنان. ذلك ان بعض ما وصل إليه الوضع اللبناني متعلق ومتصل على نحو مباشر بالوضع المصري خصوصاً والعربي عموماً. فلو ان العرب قرروا المواجهة وتحمل مخاطرها في الملفات الساخنة في المنطقة، من ايران إلى فلسطين فلبنان واليمن والعراق والسودان. ( القائمة طويلة ولا تتسع لها هذه الصفحة ). لما كانت اليوم مصر قلقة، بل كان يجدر بإيران ان تقلق، مثلما يجدر بإسرائيل ان تقلق من وضع لبنان. هناك وضع في مصر يقلق لبنان. لكن الوقت بات متأخراً قليلاً فلنصلّ فريضة العشاء ونخلد إلى النوم.

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .