الاثنين، 4 أغسطس 2008

كل الحقوق لكل الناس

من يضمن الحقوق؟
بلال خبيز

يثير بيان ال39 في مصر قضايا بالغة الاهمية في مصر وفي البلاد العربية عموماً. وإذ يشير بعض المراقبين إلى كون البيان يبدو في جملة من مفاصله الأساسية استعادة لما كانت حركة "كفاية" المصرية تنادي به في سنوات التسعينات وما تلاها، فإن اعتماد بعض اعلام الثقافة في مصر على العودة إلى ما كانت تنادي به هذه الحركة يفتح الباب على احتمال من اثنين على الأقل.
الاحتمال الأول يفترض ان الحركة التي نجح النظام المصري في اخماد جذوتها، كانت سابقة لأوانها في ما يخص علاقتها وقدرتها على التأثير في الرأي العام. وانها بهذا المعنى تبدو شهيدة المستقبل المصري. اي ان البيان الذي يأخذ منها، انما يأخذ ما يأخذه بوصفها باتت جزءاً من التاريخ الذي لا يستعاد إلا تذكراً وتدويناً، وان العودة إلى ما كانت تنادي به تعني في المقام الأول ان الظروف باتت مهيأة لتطويع شيطان الرأي العام، بخلاف ما كانت عليه من قبل.
الاحتمال الثاني يفيد ان المثقفين ال39 انما ينادون بما كانت تنادي به الحركة كما لو انهم يقدمون انتساباً متأخراً إليها. وبكلام اكثر سذاجة ووقاحة، يمكن القول ان المثقفين ال39 انما يعلنون بيان اليأس من اي تغيير، فما دامت الشعارات هي نفسها ولم يتحقق منها شيء منذ ذلك الزمن وحتى اليوم، وما دام تقدماً لم يحصل على هذا المستوى، فإن البيان لا يعدو ان يكون مجرد صرخة يائس يقول ان لا جدوى من المحاولة وان ثمة ما لا يمكن تغييره لأسباب تتعدى قدرة الموقعين على البيان، مثلما تعدت قدرة الحركة من قبل.
الاحتمالان يملكان في الوقائع المصرية ما يسندهما من حجج وبيانات. ثمة حراك مصري لا يمكن للمرء إلا ان يلحظ حماوته حتى لو كان سائحاً. وهو ليس حراكاً تجميلياً على نحو ما يذهب بعض دعاة الإسلام المنفتح المصري اليوم، نحو ترتيب الأمور بين الله والناس بالتي هي احسن. بل يبدو الحراك كما لو انه نقاش في الأصول وعودة إلى تحديد البدائه الأولى. وهذا لعمري يجعل مثل هذا البيان فاتحة لبيانات اخرى قد تكون اتم بياناً واحد لهجة، في الوقت الذي يبدو فيه استكمالاً لتراث ضئيل، لكنه بالغ الغنى في تاريخ الحراك السياسي في مصر اليوم.
لكن هذه الوقائع لا تنفي واقعاً، يستشعره المصريون عموماً ونخبهم خصوصاً، يفيد بأن ثمة قناعة عامة باستحالة الثورات المنتجة. وهذا امر يكاد يكون مشتركاً بين النخب العربية كافة. فهذه البلاد لا ينقص تاريخها الثورات، بل ان بعضها يفيض عن قدرة تاريخها على الاحتمال. ومعنى ان تستشعر النخب وتعقل ان الثورات لا تنجب، يتصل اتصالاً مباشراً بقدرة المجتمعات على فصل المسار الثوري عن النتيجة التي تؤول إليها المجتمعات بعد الثورة. حيث يبدو احياء المسارات الثورية ملحاً في الوقت الذي لا يستطيع المجتمع معه احتمال وصول المسار إلى خاتمة منتصرة. وهذا في حد ذاته تحد هائل لا يمكن مجابهته بالنوايا الحسنة فقط، ولا بالتذمرات السياسية وحدها.
والحال، فإن ما يمنع المسار الثوري عن استكمال مسيرته نحو الخاتمة المنتصرة ليس قوة النظام، اي نظام، بل رغبة الثوريين في جعل النظام اقوى مما هو عليه. ذلك ان تعزيز الحريات في السياسة والتفكير والمعتقد، ورفض التمييز الديني والجنسي واللغوي والعرقي، يجعل النظام اقوى مما كان عليه واصلب عوداً، واوسع مبادرة. ففي الوقت نفسه يرى الموقعون على البيان ان النظام الحالي بات متجمداً عند حدود ضيقة لا تسمح بالمناورة الخارجية والداخلية، ويناقشون في السبل التي يمكن ان تؤدي إلى تفعيل آلته كنظام عصري وحديث.
تلك معضلة واجهها المعارضون السوريون من قبل، وادت إلى ما ادت إليه من خيبات. وتلك ايضاً معضلة واجهها اللبنانيون وما زالوا يواجهونها، وادت في ما ادت إليه إلى وصول البلد امام حائط خيارات متناقضة لا ينقذه من شرها إلا حيل اللغة في تأمين تعديلات لغوية مناسبة على نص البيان الوزاري. ذلك ان ما نفتقده جميعاً ليس الافكار، وليس المرتجى، بل من يستطيع ان يحفظ الحقوق المكتسبة بقوة القانون. وهذا لعمري يبدو في حالتنا العربية صعب المنال.

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .