الثلاثاء، 19 أغسطس 2008

سقطت سهوا

سقطت سهواً مرتين

بلال خبيز


في اربعين رئيس اركان جيش حزب الله، عماد مغنية، كنت اترقب، على جاري عادتي منذ اغتيال الرئيس الحريري، ما سيقوله السيد حسن نصرالله، امين عام حزب الله. ذلك انني منذ اغتيال الحريري، شعرت، ربما بغريزة الصحافي، ان الحجم الكبير الذي كان يحتله الراحل في متن السياسة اللبنانية، سيؤول لا محالة إلى السيد حسن نصرالله، مضيفاً إلى حجمه وزناً زائداً. لذلك، لم افوت فرصة في الكتابة معلقاً على ما يأتي به السيد نصرالله، كما كان شأني مع الرئيس الحريري يوم كان حياً.
كنت قبل ايام من خطاب السيد نصرالله قد كتبت له كتاباً مفتوحاً، على جاري عادة الصحافيين اللبنانيين. ولأسباب لها علاقة بالصدف المزعجة، كنت قد نشرت مقالة في ملحق "النهار"، مناقشاً وثيقة "البيال" التي اطلقتها قوى 14 آذار ومعترضاً على منطقها.
بدأ السيد نصرالله خطابه بداياته المعتادة، في ذكر الأئمة والصحابة والرسول، ثم دخل إلى الموضوع رأساً. كان الجزء الأول من الخطاب، في ما بدا لي، مناقشة مع تلك الرسالة التي كنت قد نشرتها موجهة إليه. اما الجزء الثاني من الخطاب فكان رداً على وثيقة 14 آذار، ولا اقول انه استخدم الحجج نفسها التي اوردتها، لكنه اتخذ الموقف نفسه. لحظة ذاك، وبحدس المقاتل، ادركت انني بالغت في ملاحقة كل ما كان يقوله السيد نصرالله.
بعد بضعة ايام، دعيت كغيري من الصحافيين، إلى مناقشة وثيقة "البيال" والردود عليها. في الحفل الذي اقيم في فندق "البريستول" تم توزيع برنامج العمل مرفقاً بالمحاضرات والكلمات، والردود على الوثيقة التي ظهرت في الصحافة. وبداعي الفضول الذي يخفيه كل كاتب في نفسه، احببت ان ارى كيف تم التعامل مع مقالتي السالفة الذكر، لكنني لم اجدها بين المقالات. وحين سألت عن اسباب حذفها، ابلغت انها سقطت سهواً، ودعاني محدثي لإرسالها إليه مرة اخرى ليضمها في المقبل من الأيام. طبعاً لم ارسلها. فأنا كان يكفيني ان اعرف انني سقطت سهواً هنا، ونهضت سهواً هناك.
الخلاصة كانت على الوجه التالي، اقله هذا ما أظنه، وما زلت مقتنعاً به: كنت في نظر قوى 8 آذار صحافياً معروفاً ومقروئاً، لكنني اميل دائماً إلى الخصومة معها. وفي نظر قوى 14 آذار، كنت صحافياً ناشئاً وقليل الحماسة للمشروع الإستقلالي، وكان امر تجاهلي منطقياً. وعلى هذه المعادلة، كان لا بد لي من استشعار الخطر. والحق انني منذ تلك اللحظة، اقلعت عن الكتابة في السياسة اليومية وانصرفت إلى شؤون كتابية اخرى. بعضها يتضمن ردوداً مواربة على يوميات السياسة اللبنانية.
كان الأمر برمته ينذر بالخطر، ان اكون مقروئاً بوصفي خصم لا يمل، في وقت لا يشعر من يفترض انني ادافع عنهم وانطق بلسانهم بوجودي اصلاً، رغم ثقل ما كتبت، حجماً على الأقل، لهو امر خطير من الجهتين.
لم يلبث ان تصاعدت حدة النزاع وبلغت ذروتها في احداث ايار المنصرم. وكان مفهوماً بحسب منطق الأحداث، ان يشعر كل طرف بأذى استمرار خصمه مشرعاً حملات إعلامية عليه. هكذا سرعان ما ظهرت على موقع "فيلكا اسرائيل" قصة تتهمني بأنني مراسل هآرتس الرسمي، وعشيق ليزا غولدمان، تلك التي زارت لبنان سراً وبثت من بيروت واحداً من تقاريرها المتلفزة. وكان مفهوماً ايضاً ان تطاول مثل هذه الشائعات آخرين لا حصر لهم من صحافيين وكتاب وسياسيين. وبصرف النظر عن الأحداث التي واكبت تلك التوليفة الخرافية، إلا انه يجدر بي الإشارة إلى ان التهديد الذي تعرضت له في تلك الفترة، واسرار احدهم لي ان قراراً قد اتخذ بقتلك، وثمة من يكمن لك في الاماكن التي تتواجد فيها عادة، قوبل من الجهة الأخرى بالتجاهل والاستخفاف. كان الجميع مهددين على وجه من الوجوه، وليس ثمة سبب للاهتمام بموضوع تفصيلي كموضوعي. والحق انني اعتقد ان ما حمل هذه القوى على الاستخفاف بالتهديد الذي تعرضت له يتصل جوهرياً باعتقاد عام، في صفوفها، يفيد انني لست من الأهمية التي توجب علي او عليهم اتخاذ اجراءات احتياطية. وهذا ما يفسر، قطعاً، الصمت الذي مارسته الصحيفة التي اعمل فيها حيال ما حصل.
في خطاب السيد حسن نصرالله المذكور آنفاً، قال انه يجب وضع اكثر من خط على كلمة مقاوم، وهو يشير إلى بعض الكتبة الذين كانوا مقاومين. والحق انني رغم الفترة الطويلة التي قضيتها في مقاومة اسرائيل، ومدة الاعتقال الطويلة ايضاً، إلا انني يوم قررت ان اصبح كاتباً وصحافياً لم اشأ ان استغل تاريخي الشخصي مثلما فعل غيري. والنص المنشور في هذا الدفتر، كتب بناء لطلب مباشر. اي انني لم احمل نصي وادور به على الناشرين يومذاك. فما فعلته مقاومة وتعرضاً للاعتقال، لم يجبرني عليه احد، وكان، في ظني، ولا يزال، جزءاً من حق لبنان علي، اي ان اقاتل المحتل طمعاً بتحرير الأرض. وعلى النحو نفسه، كتبت في سنوات التسعينات، في مقارعة الهيمنة السورية على البلد. لأنني كنت، ولا ازال، احسب ان البلد يستقل ويتحرر من الجهتين، السورية والإسرائيلية. يومها، كما هو معروف، كان الذين يكتبون في مقارعة الهيمنة السورية اقل من ان نمعن التفكير في تعدادهم. والحال كنت اظن نفسي حليفاً لمقاومتين. فيما كانت انقسامات البلد واستحالاته تجعل من هذا التصنيف مستحيلاً في حد ذاته.
وبمثل ما سقطت سهواً من واقعة انني كنت من اوائل الذين قارعوا الهيمنة السورية، سقطت سهواً من واقعة انني سبقت مقاومي اليوم في مقاومة اسرائيل. وفي الحالين، كان ثمة تواريخ صغيرة تهدر مجاناً، ويهدر اصحابها. وكان ثمة ايضاً حسرة عظيمة تعلق في حلق من كان مثلي، وهو يرى ان السبيل إلى الدفاع عن مقاومتين لا مكان له في بلد ثورات التحرير والاستقلال. مما يجعل السقوط سهواً اهون الشرور.

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .