الأربعاء، 27 أغسطس 2008

عن جريدة "الجريدة" الكويتية

زهو الشامتين

بلال خبيز

رفضت محكمة سورية طلب تخلية سبيل ميشال كيلو بعد انتهاء ثلاثة ارباع مدة محكوميته. ميشال كيلو حوكم لأنه اضعف الشعور القومي بكتاباته، ووقع بيان بيروت – دمشق، الذي سيق عدد من المعارضين السوريين إلى السجن بسببه. اليوم لم يعد الإعلان نفسه ذو حيثية وموضوع. ولم يعد العالم العربي يعيش في اللحظة الانتقالية نفسها التي كان يعيشها منذ ثلاث سنوات خلت. يومذاك كانت قرقعة جرفات الهجوم الدولي على سوريا وايران تجرف امامها كل شيء، وكان الهجوم على الدور السوري والنظام في حد ذاته بالغ الحدة والوضوح، مما جعل الكثيرين، في النظام وخارجه يستشعرون خطراً متزايداً على مصير سوريا نفسها. على اي حال ترك هذا الهجوم خلفه ضحايا كثيرين. بعضهم كان ضحية الظن بأن الهجوم الدولي لن يتوقف لأي سبب من الأسباب، وبعضهم ذهب ضحية الاعتقاد بأن الأوان قد أن في سوريا لإعادة بناء الاجتماع الذي دمره النظام من خلال هجومات ممنهجة ادت في ما ادت إليه إلى موت الاجتماع سريرياً. وبعضهم، ومنهم ميشال كيلو، ذهب ضحية تعثر المشروع الاميركي في المنطقة يومذاك. في ذلك الوقت كان العراق يمثل مستنقعاً، على ما درج في ادبيات الممانعة العربية، للسياسة الأميركية. وكان المصير العراقي ماثلاً للجميع في سوريا ولبنان وايران وحتى مصر والاردن والمملكة العربية السعودية. مما جعل اشخاصاً مثل ميشال كيلو يطالبون النظام السوري بجرأة والحاح ببعض التغييرات في السياسة الداخلية، لتمتين الاجتماع السوري وتصليبه من اجل تجنب المصير العراقي الاسود وانجاح المواجهة.
اليوم، بعد مضي ثلاث سنوات على الخروج السوري من لبنان تحت ضغط الهجوم التدويلي يبدو المشهد في العراق مختلفاً عما كان عليه من قبل، فضلاً عن ان الاختلاف الكبير بين نظام سوري معزول ومحاصر يومذاك، ونظام يشعر اليوم انه على درجة من الاهمية توازي اهمية روسيا، ولا يخجل من المطالبة بحقه في التدخل في شؤون جيرانه حفاظاً على مصالحه الحيوية.
لو خرج ميشال كيلو اليوم، هل سيجد كلاماً يقوله؟ لو خرج ميشال كيلو اليوم هل يستطيع ان يتقن غير الصمت والخيبة؟ الأرجح ان لا. مع ذلك ثمة اصرار على ابقائة سجيناً. ذلك ان النظام المنتصر اليوم يشعر بالحاجة أكثر إلى تأديب الذين تجرأوا على مساءلته عن سياساته المغامرة، او المقامرة كما يحلو للبعض التسمية.
اليوم يختلف المشهد كثيراً عنه بالأمس. العراق يغذ السير حثيثاً للخروج من محنته. العراق يبدو اليوم البلد الوحيد في المنطقة الذي يستطيع ان يعد نفسه بمستقبل مشرق. انجز حروبه كلها مسبقاً، وهو اليوم يستعد لمواجهة المستقبل من دون عقد او تشنجات. هذا البلد الذي لطالما استند النظام السوري إلى اوضاعه المتردية في تبرير ممانعته وجدواها، بحجة ان العراق مستنقع لأميركا وقواتها المسلحة، وان من يستطيع تغذية هذا المستنقع بالوحل والطين ليس سوى النظام السوري نفسه وبعض حلفائه في المنطقة. والحال، تبدو حجة النظام في الممانعة آيلة إلى السقوط النهائي، بل وتذهب سوريا إلى مفاوضات مع اسرائيل برعاية تركية، وليس في الأمر تفريط من اي نوع، وهي تستعد اليوم للعودة إلى لبنان من بوابته الشمالية.
كان حري بنظام يشعر بالزهو إلى هذا الحد ان يقبل بعض التسامح مع من شعروا ذات يوم بضرورة السعي إلى تمتين الصمود السوري بإشاعة بعض القيم والممارسات الديموقراطية في سوريا. لكن النظام لم ينتصر في ما يبدو رغم كل الغشاوة الزاهية التي تظلل تصريحات مسؤوليه. فقط ثمة نجاح في جعل الخصم يأخذ وقته في الاستعداد للحرب المقبلة. التي يعرف الخصم والصديق انها باتت حرباً جحيمية لا افق مرئياً لقاعها. لكنها حرب ستحصل من دون شك. اما الحديث عن امتناعها بسبب ارتفاع كلفتها فهو حديث يجبّه تاريخ العالم نفسه. ذلك ان الحربين العالميتين الاولى والثانية قامتا اساساً على وهم من هذا النوع، ادى إلى سباق تسلح لا مثيل له، ولم تمنع يومها كلفة الحرب الهائلة اي طرف من الأطراف من دخول غمارها المرعبة. يومذاك، حين فضلت فرنسا الحياة تحت الاحتلال على المقاومة والموت، خسرت روحها، ولم تلبث ان اجتهدت بكل قواها لتنتسب إلى الحرب مجدداً.
لم يربح النظام. لكن ميشال كيلو خسر بكل تأكيد. ذلك ان ما كان يطالب به ليس اقل من تجنب الحرب التي كانت ماثلة في الأفق يومذاك. اليوم ثمة حرب تمثل امامنا تبدو معها تلك الحرب التي خشي ميشال كيلو منها اشبه بلعب الاطفال.

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .