الاثنين، 11 أغسطس 2008

... فالانسان الشريد يغدو حراً بمعنى جديد , اذ أن من يفقد صلاته كلها هو الوحيد الذي لا يلزمه أي تحفظ فكري .
جريدة النهار،
الاثنين 11 آب 2008 - السنة 76 - العدد 23439
مع الحرب وضدها
بلال خبيز
الحديث عن استعدادات اسرائيلية لحرب وشيكة على ايران يملأ الأجواء. باراك اوباما لمس تحضيرات من هذا القبيل. شاؤول موفاز يقول ان المعركة مع ايران هي "سباق مع الوقت والوقت يفوز". ثمة في كواليس العارفين في شؤون المنطقة من يقول ان استقالة ايهود اولمرت لم تكن بسبب فضائح الفساد، ولا ايضاً اتت بمفعول رجعي لحرب تموز، بل لأنه يعارض جنرالات الجيش الإسرائيلي الذين يؤيدون المبادرة إلى عملية واسعة ضد ايران. في المقابل لا يبدو السلوك السياسي الإيراني على خط التفاوض مشجعاً لدعاة السلام غرباً وشرقاً في تأجيل هذا الخيار. الحديث عن الحرب يعبق في الجو. جو العالم كله. هذه ليست حرباً محدودة في رقعة جغرافية ضيقة. ليس لأن ايران تملك من الموارد العسكرية واللوجستية ما يمكّنها من جعلها تمتد إلى اقاصي العالم، ولا لأن حليف ايران الرئيس الفنزويلي السيد هوغو شافيز، سيغتنم فرصة الحرب ليقصف شواطئ ميامي. بل لأن الحديث عن هذه الحرب طال واستطال حتى بلغ اسماع العالم كله، فرداً فرداً، ولم يعد ثمة في العالم من لا يملك رأياً في هذه القضية. وحين يبلغ امر ما هذا البلوغ ويشيع مثل هذا الشيوع، يصبح القاتل والمقتول في مثل هذه الحرب، والمتتصر والمهزوم في مرتبة النجوم. انها حرب، إذا اندلعت، ستسيّل حبراً كثيراً وتحرك اقماراً اصطناعية عديدة، وتجتذب كاميرات لا تحصى عدداً. والأرجح ان بعض المؤسسات الإعلامية الكبرى قد بدأت تجهز طواقمها لحصول مثل هذا الحدث ومواكبته منذ شهور، إن لم يكن بعضها بدأ يعدّ العدة لهذه الواقعة منذ أعوام.وحيث ان الحرب هدف اسرائيلي اليوم، فهل يمكننا ان نجهر، نحن الذين نقع تحت سيوف التخوين كل حين، بمعارضتنا لهذه الحرب؟ هل يمكننا ان ندافع عن سلم العالم الهش، ولو كان على حساب ارزاقنا التي تأكلها حمى اسعار النفط وبورصاته؟ ام ان ثمة من يستطيع مرة اخرى تخوين صوت ينادي بتجنب الحرب، لأن ثمة في تصريحات الرئيس محمود احمدي نجاد تأكيدات صريحة بأن قوى الاستكبار العالمي إلى زوال، وبأن شمس اميركا آيلة إلى غروب، او لأنه وعد اللبنانيين وهو يستقبل وزير خارجيتهم بانتصارات كثيرة ومزلزلة؟ وهل ننجو من شبكة العربي الغاضب الدكتور في العلوم السياسية في جامعة كاليفورنيا، فلا يتهمنا بأننا نقف ضد الحرب لأننا نحب اسرائيل ونذوب فيها هياماً؟ هذه ليست اسئلة مماحكة او تندّر على وضعنا المزري جداً الذي جعل من مسألة التوصل إلى صيغة تناسب الجميع في البيان الوزاري انتصاراً لا يعدله انتصار. انها اسئلة تلحّ كما تلحّ الدمعة تماماً. هل يحق لأيّ كان في لبنان، المنتصر دوماً وابداً، وباعث نفسه من رماده دوماً وابداً، ان يشكك في الانتصار والبعث، على وجهي البعث وظهريه؟ ليس في وسع المرء ان يعرف. عليه ان يطلق الصرخة وينتظر الحكم. والحكم في هذه البلاد لا يطلقه قضاة ولا يتشاور فيه محلّفون، يكفي ان يسيء الظن بك صحافي متنكر او استاذ ضجر ويملك فائضاً من الوقت، او مناضل مرابط على الحدود، لتصبح واحداً من زمرة اولمرت واخوة ليفني. النتيجة معروفة سلفاً. لا تملك ان تدافع عن نفسك، لأن ثمة من يدينك من فمك او قلمك. والافضل ان تصمت، وان لا تبدي رأياً. او على سبيل التحوط عليك ان تبدي الرأي على النحو الآتي: إذا كانت اسرائيل تريد الحرب وتسعى إليها، فإن الحرب مذمومة ويجب ان نجيّش دعاة السلم في العالم كله لتجنبها. وإذا كانت ايران تسعى إلى الحرب وتريدها فيجب ان ندافع عن حقنا في اشعال حرب نهزم فيها اميركا واسرائيل دفعة واحدة. ويكون في هذه الحال كل داعية إلى المحافظة على السلم الهش خائناً ويستحق العقاب. بين الرأيين والاحتمالين، لا نملك ان نعرف من الداعي إلى الحرب حقاً ومن الذي يستدعيها فعلاً. إذ ليس في مكنة ايٍّ منا ان يقيم في قلب مرشد الثورة الإيرانية، ولا يستطيع وزير خارجيتنا ان يستقصي الرغبة الإيرانية حرباً او سلماً مثلما فعل باراك اوباما في اسرائيل. والحال، نحن مع الحرب وضدها. نحن مع الحرب إذا كانت ايران تريدها وضد الحرب إذا كانت اسرائيل تريدها. اما إذا قامت الحرب او وقعت، فعلينا ايضاً ان ننتظر نتيجتها. إذا ما هزمت اسرائيل في هذه الحرب، يكون الرأي واضحاً لا لبس فيه، وإذا هزمت ايران يجدر بنا ان نتلبس لبوس الضحايا، مقاتلين ومقاومين وجيوشاً ومواطنين وبحّارة في الحرس الثوري الإيراني، فنصبح جميعاً ضحايا بلا حول ولا قوة. اما إذا اسفرت الحرب عن هزيمة ملتبسة ونصر اكثر التباساً للطرفين، فعلينا ان نرفع انصاب المقاتلين المجهولين الذين منعوا العدو من ان ينتصر نصراً مبيناً، في وقت ننكر عليهم بطولاتهم وننسبهم إلى المدنيين الذين سقطوا ضحايا الآلة العسكرية الجهنمية. في الاحوال كافة، يجدر بنا ان نأخذ جانب الحيطة والحذر، فلا النصر مفهوم ولا الهزيمة محددة الأوصاف. هذا كله يتحصل لنا في لحظة التوقع، حيث الحيرة هي الفيصل والميزان. لكن وقوع الحرب لا يحسن صدور الرأي او يرتب مقامات المواقف. في خضم الحرب ايضاً علينا ان نتردد ملياً. هل نستطيع ان نبكي موتانا لحظة موتهم؟ ام ان هذا الضرب من الحزن المبكر يعد تفجعاً خائناً واستسلاماً سابقاً لأوانه؟ هل اتشاح الامهات بالسواد يخدم حلفاءنا في المعركة ام يجدر بالأمهات ان يؤجلن الحزن إلى ما بعد انقشاع الغيوم؟ فإما نودع ضحايانا صامتين، وإما نزغرد في اعراس الشهداء الذين حققوا لنا الانتصار الكبير. وفي الحالين تصبح المشاعر تمثيلاً واداءً ولا تعود متصلة بأصحابها، حيث يجدر بكل ام ان تشبه نظيراتها، ويجدر بكل ابن ان يتبع خطوات اخيه، ولا يبقى من مجال لحزن شخصي يعيد المفقودين احبة واعزاء.


ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .