الخميس، 10 يوليو 2008

من يهدر دم بلال خبيز


من يهدر دم بلال خبيز؟
ناظم السيد / القدس العربي
ترك بلال خبيز لبنان. الأصح: هرب. هو الآن في بلد أوروبي ما. منفي خوفاً من القتل. أما لماذا هرب بلال خبيز فهذه قصته.نشر قبل فترة قصيرة موقع فيلكا الإسرائيلي خبراً يزعم فيه أن الشاعر وأمين تحرير ملحق النهار الأدبي بلال خبيز يعمل مراسلاً لصحيفة هآرتس الإسرائيلية. وزعم الموقع أن خبيز يراسل عبر البريد الإلكتروني صحيفة سعودية في لندن، ليقوم شخص آخر في هذه الصحيفة بتحويل تقارير خبيز إلي هآرتس عبر بريد إلكتروني آخر، من غير أن يعلم هذا الشخص بهوية خبيز الحقيقية.هذه التصريحات نسبها موقع فيلكا إلي لسان ليزا غولدمان الصحافية الإسرائيلية التي زارت بيروت بجواز سفر أجنبي في التاسع والعاشر من تموز (يوليو) 2007. وكانت ليزا قد عرضت تقريراً مصوّراً عن جولتها في بيروت علي القناة العاشرة الإسرائيلية. وفي هذا التقرير تغزلت الصحافية بجمال بيروت التي تشبه تل أبيب علي حد تعبيرها وبجمال جبل لبنان وخلجانه التي لا يستطيع المرء أن يقاوم التقاط صورة له وفي خلفيته هذه الجبال. ووصفت بيروت بأنها مدينة رائعة، بمحلاتها المتنوعة وشواطئها الجميلة وبعلمانية وثقافة مفكريها ، قائلة إن السكان أبدوا ترحاباً وانفتاحاً في معاملتهم معها كإسرائيلية، مضيفة أنها لم تذهب إلي الضاحية الجنوبية أو المناطق التي تعرضت للقصف في حرب تموز (يوليو).
وأضافت ليزا أنها تعرفت في بيروت إلي صحافي وسيم وخلوق يدعي بلال خبيز وأنها وقعت في غرامه، لكنها اليوم تشعر بالقلق بعدما أغلق مطار بيروت الدولي (أثناء الأحداث الأخيرة في 7 أيار/مايو)، ما منع خبيز السفر للقائها في باريس. وذكرت أيضاً أن بلال خبيز يعمل مع صديقه النائب مروان حمادة ورجل الأمن في الحزب التقدمي الاشتراكي رامي الريس، مؤكدة أنها زارت المختارة وأجرت لقاء غير مسجل مع الزعيم الدرزي وليد جنبلاط.
هذه قصة مزاعم ليزا أو مزاعم موقع فيلكا مع بلال خبيز الذي ـ بدوره ـ نفي هذه الأخبار جملة وتفصيلاً في تعليق نشر في الموقع نفسه. وقد اعتبر خبيز أن نشر هذا الخبر في فيلكا الذي يُعتقد ـ بحسب نفي خبيز ـ أن مخابرات حزب الله هي من تدير هذا الموقع، هو هدر لدمه ولا سيما أن موقعاً إلكترونياً آخر يُدعي جمّول يتنكب مهمة الدفاع عن المقاومة الوطنية أعاد نشر هذا الخبر.
لست رجل أمن لأعرف من وراء الخبر ومن يدير موقع فيلكا . ولست في وارد الدفاع أو الاتهام. ما أقدّره تقديراً أن حزب الله لم يهدر دم أحد. علي الأقل منذ انتهاء الحرب الأهلية عام 1990 لم يلجأ حزب الله المدعوم أصلاً من الوجود السوري في لبنان ومن الدولة اللبنانية والحكومات المتعاقبة إلي هدر الدماء وإن كان يغلب علي لغته بين وقت وآخر لغة التخوين . ما أعرفه أيضاً ان بلال خبيز ليس رجل أمن ولا تنطبق عليه مواصفات الشخص الأمني. تربطني بخبيز صداقة تجعلني قادراً علي التكلم عن ثقافته وشخصيته وحياته أيضاً. حين تجلس مع خبيز تدرك مباشرة أنك تجلس مع شخص مثقف. قد يكون واحداً من قلائل في جيله عمل علي تثقيف نفسه بطريقة متينة. بلال خبيز الشغوف بالكتابة عن الجسد والعولمة والمدن والسياسة كعلم، لا يمكن أن يكون رجل أمن. الأمنيون أقل ثقافة من هذه المعايير بكثير. كيف لرجل أمني أن ينهمك طوال الوقت بقراءة هايدغر وهابرماس وفوكو وحنة أرندت وبارت ولوكاش وغيرهم الكثيرون؟ هذه هي ثقافة بلال خبيز. أما كتاباته فهي الأخري أبعد ما تكون عن الأمن. كيف لرجل أمن أن يكتب طوال الوقت ضد الوجود السوري وضد حزب الله وضد رفيق الحريري أحياناً؟ كيف لرجل أمن أن يملك هذا الفضول في ممارسة دوره كمثقف ملتزم بالواقع والكتابة عنه؟ هذه هي كتابات بلال خبيز، كتابات مثقف وليس مدبّر تقارير. أما شخصية بلال خبيز فأبعد ما تكون عن الأمن. من يعرف الرجل ويسمع بهذا الاتهام سيغشي عليه من الضحك. يتكلم بلال خبيز بثقافة عالية وحدّة. ينفعل مع كل كلمة يقولها. ينتبه لنفسه فلا يلبث أن يُخفض صوته تاركاً لمحدّثه هامشاً من الصوابية. يناقش خبيز محاصراً خصمه في النقاش حتي إذا ما وصل إلي التأكد من هذه المحاصرة يتراجع خطوة إلي الوراء. أي رجل أمن هذا الذي يناقش في كل شيء كحال بلال خبيز؟ أي رجل أمن هذا الذي يفضح آراءه ومواقفه كتابة ونقاشاً؟ أي رجل أمن هذا الذي لا يستطيع الخبث أو السيطرة علي انفعالاته؟ شخصياً كنت أفاجأ من بلال خبيز في بعض النقاشات. يعرف عني الكثيرون أنني أتبني خطاباً يدافع عن الفلسطينيين والمقاومة من غير أن أفقد عقلانيتي. يعرف عني أصدقائي العقلانيون هذا الرأي. للمرة الأولي أقولها إن حزب الله يظن أنني معادٍ وأنني كارهٌ ولا أريد أن أتوسّع في هذا (في حرب تموز/يوليو) كتبت 33 مقالاً في صحيفة الشرق اللبنانية حيث كنت أكتب مقالاً يومياً، هي شهادة كافية عن آرائي التي لا أتقاضي عليها ثمناً لا من هنا ولا من هناك. وقتها رفضت العمل مراسلاً تلفزيونياً للحرب بمبلغ كبير، رغم أن بيتي كان يمتلئ بنحو 35 مهجّراً، في حين لا أملك من المال أكثر من 400 دولار مع عائلتي كلها). أذكر هذا الأمر لأحدثكم عن نقاش جري بيني وبين بلال خبيز في أحد مقاهي شارع الحمرا. في هذا النقاش تبنيت موقف أصدقائي العقلانيين ، فإذا بخبيز يتبني موقف المقاومة، معتبراً أن عملية السلام من مدريد إلي أوسلو كانت خديعة. ثم أليس بلال خبيز من تحدث عن الوكالات الحصرية في لبنان، وكالة السلاح للشيعة ممثلين بـ حزب الله ، ووكالة المال للسنة ممثلين برفيق الحريري؟ بعد اغتيال الحريري كان لا بد من إعادة النظر في هاتين الوكالتين. لكنَّ أحداً لا يبالي بجملة كهذه تدين الطرفين اللذين كانا متفقين طوال فترة الوجود السوري من 1990 حتي 2005.
بلال خبيز أيضاً لمن لا يعرفه هو ابن منظمة العمل الشيوعي. حمل سلاحاً مع المنظمة ضد إسرائيل، وقد اعتقل سنة كاملة في سجن عتليت.
وبلال خبيز أيضاً لا يملك مالاً يُفترض لمن يقوم بمهمة خطرة كالعمل في الأمن أو مراسلة هآرتس ، أن يملكه. لا يزال بلال خبيز يسكن ببيت مستأجر، ويعاني فواتير من هنا وهناك، ولديه أولاد سجلهم في المدرسة الحكومية بعدما عجز عن تأمين أقساط المدرسة الخاصة. ولطالما سمعت الرجل يشكو من عدم قدرته علي العيش بطريقة مرفهة بهذا الراتب المتواضع. وقد كان خبيز يكتب مقالات حرة خارج صحيفة النهار ليزيد مدخوله كما فعل حين كتب سلسلة رجال سورية في لبنان في موقع إيلاف الإلكتروني، مقابل 400 دولار في الشهر كما ذكر. ومؤخراً عرض صديق يرأس تحرير مجلة ثقافية ستصدر قريباً العمل علي بلال خبيز ككاتب. وقد رحّب خبيز بالعمل. أي رجل أمن يقبل بالعمل في ملحق أدبي ومجلة ثقافية ويكتب هنا وهناك ويبقي له وقت لمراسلة صحيفة إسرائيلية؟
أعتذر إذا كنت ذكرت تفاصيل حميمة عن صديق أحترمه. لكنها كانت طريقتي في الدفاع عن بلال خبيز الذي يقنّن حتي سهراته في الحانات بحسب مدخوله الشهري.
ما ورد في موقع فيلكا إهدار دم في بلد صعب، وأسهل ما فيه القتل.

شاعر من لبنان

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .